في مشهد مأساوي ، أقدم مواطن جزائري على إضرام النار في جسده أمام مقر وزارة العدل، احتجاجًا على “الظلم” و”الحگرة” التي تطارده في وطنه، في لحظة يأس قصوى تُعيد إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول واقع العدالة وكرامة المواطن في الجزائر.
المواطن المعني هو فوزي زقوط، من مدينة فرندة بولاية تيارت، الواقعة على بُعد نحو 340 كيلومترًا إلى الغرب من العاصمة الجزائر. بحسب ما أفادت به مصادر مطّلعة لوكالة فرانس برس، فقد توجّه زقوط إلى مقر وزارة العدل رفقة شخص آخر كان يقوم بتصويره، في ما يبدو أنه كان تخطيطًا مسبقًا لتوثيق فعل احتجاجي صادم ، صبّ على نفسه الوقود ثم أضرم النار في جسده أمام المدخل الرئيسي للوزارة. إلا أن تدخل عناصر الأمن كان سريعًا، حيث تمكنوا من السيطرة على الموقف وإخماد النيران باستخدام مطفأة للحريق، ما حال دون وقوع مأساة أكبر.
الحادثة، التي وثقها الحاضرون وانتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن مجرد فعل فردي من اليأس، بل بدت كصرخة مدوية ضد منظومة يعيش فيها المواطن في حالة من التهميش والإقصاء. كما أنها فجّرت موجة من الغضب الشعبي إزاء ما يُعتبر مفارقة مؤلمة : أن يحترق المواطن في وطنه، بينما تُمنح الامتيازات والدعم السخي لضيوف النظام، لا سيما من قادة جبهة البوليساريو، الذين يُقيم بعضهم في فنادق ومنازل فاخرة بالخارج، بتمويل مباشر من خزينة الدولة.
وتزداد رمزية هذه الواقعة إذا ما أُخذ في الاعتبار أن زقوط لم يكن معارضًا للنظام، بل معروفًا بمواقفه المؤيدة لخطابه الرسمي، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. فلطالما عبّر على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي عن دعمه الشديد لجبهة البوليساريو، ولم يتردد في مهاجمة المغرب وشعبه. المفارقة أن هذا “المدافع” عن النظام، وجد نفسه ضحية له، بعد أن اصطدم بواقع مُرّ جعل من ولائه السياسي درعًا لا يحمي من الجوع أو الذل أو غياب العدالة.
تطرح هذه الحادثة مجددًا السؤال الحرج : كيف يُعامل المواطن في بلده ؟ ولماذا يشعر البعض وكأن كرامته وحقوقه مؤجلة أو مهدورة، في مقابل حرص الدولة على التزاماتها الخارجية، حتى لو كانت على حساب أمنه الاجتماعي والنفسي؟
ويرى كثير من المحللين أن الحادثة ليست سوى مرآة تعكس عمق الشرخ القائم بين المواطن والدولة، وتُجسّد إخفاق السياسات التي أهملت الداخل وركّزت على الملفات الخارجية، تاركة المواطن يواجه مصيره في عزلة ويأس.
إن ما حدث مع فوزي زقوط ليس مجرد واقعة فردية، بل مؤشر خطير على حالة اختناق اجتماعي وسياسي تعيشها شريحة واسعة من الجزائريين، ممن يشعرون أنهم غرباء في وطنهم، لا يُنظر إليهم إلا كأرقام في صناديق الاقتراع، أو أدوات للدعاية، حتى إذا احترقوا، لم يُحرّك ذلك ساكنًا.