kawalisrif@hotmail.com

الإتجار في مرضى القلب … تحقيق صحفي يكشف اختلالات في تدبير القطاع الصحي بجهة كلميم وادنون

الإتجار في مرضى القلب … تحقيق صحفي يكشف اختلالات في تدبير القطاع الصحي بجهة كلميم وادنون

في وقت تُمنّي فيه ساكنة جهة كلميم وادنون النفس بتحسين جودة الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، تتوالى الصدمات في قطاع يعاني أصلًا من اختلالات بنيوية. فقد تفجرت مؤخرًا فضيحة مدوية تُسائل الضمير المهني والرقابة الإدارية، بطلها طبيب مختص يُدعى الدكتور مصطفى بغي، والذي وصفه بعض العاملين بـ”الطبيب الشبح”، بسبب غيابه المتكرر عن المستشفى الجهوي بكلميم.

مصادر طبية مطلعة أكدت لجريدة “كواليس الريف” أن الدكتور بغي، المكلّف بعلاج أمراض القلب والشرايين، لا يلتحق بعمله إلا أسبوعًا واحدًا كل ثلاثة أشهر، دون أن تطاله أي مسطرة تأديبية من الإدارة الجهوية أو الوزارة الوصية، ما يطرح تساؤلات جدية حول احتمال وجود تواطؤ أو تغاضٍ مريب من قبل المسؤولين.

التحقيق الاستقصائي الذي أجرته “كواليس الريف ” كشف عن معطيات صادمة، تفيد بأن الطبيب المعني يمارس نشاطًا موازيًا بعدة مدن مغربية، خاصة في الجهة الشرقية، حيث يستقطب مرضى القلب من المستشفيات العمومية عبر وسطاء وسائقي سيارات إسعاف، ويوجههم نحو مصحات خاصة، أبرزها مصحة “أكديطال”، مقابل عمولات مالية قد تصل إلى مليون سنتيم عن كل عملية، حسب وثائق بنكية وشهادات موثقة من ضحايا.

عدد من المرضى صرّحوا بأنهم تعرضوا لضغوط من وسطاء الطبيب، بل وُجّهوا بطرق وصفها البعض بـ”السحرية” نحو إجراء عمليات جراحية في مدن مثل أكادير أو الدار البيضاء، رغم توفر التجهيزات الطبية بالمنطقة. بعضهم تحدّث عن دفع مبالغ مالية، مباشرة أو عبر وسطاء، لضمان إجراء العمليات أو تسريع مواعيدها.

والأخطر من ذلك أن الطبيب المذكور غادر التراب الوطني عدة مرات دون الحصول على ترخيص رسمي من وزارة الصحة، بل أقام لمدة عام كامل بفرنسا، ما دفع فعاليات حقوقية إلى المطالبة بفتح تحقيق في تحركاته، من خلال مراجعة جواز سفره وتواريخ مغادرته وعودته، وسجلات العبور لدى الجهات الأمنية المختصة.

هذا الوضع المقلق يضع كلًا من المدير الجهوي للصحة ومدير مستشفى كلميم تحت مجهر المساءلة، إذ تُحمّلهم فعاليات مدنية ومواطنون مسؤولية “التستر على خروقات خطيرة”، في وقت يتطلب فيه الوضع الصحي بالجهة مزيدًا من اليقظة، الشفافية، والمحاسبة.

وقد حصلت الجريدة على نسخ من تحويلات بنكية ووثائق مالية تؤكد تورط الطبيب ووسطائه في توجيه مرضى إلى عدد من المصحات الخاصة، وعلى رأسها مصحة “أكديطال”، ما يعزز فرضية وجود شبكة منظمة تستغل حاجة المرضى للعلاج لتحقيق مكاسب شخصية.

وفي تصريح خصّ به الجريدة، أكد الفاعل المدني المنحدر من المنطقة والمقيم بالعاصمة، محمد المديميغ، أن فريقه في الجمعية الحقوقية بصدد إعداد ملف شامل حول هذه الفضيحة، ويتابع عن كثب تحركات الطبيب وحضوره الفعلي إلى مقر عمله، خاصة بعد عودته المفاجئة إلى كلميم عقب انفجار القضية عبر “كواليس الريف”، مع رفع دعوى قضائية تطالب النيابة العامة بالإذن بتفريغ سجلات كاميرات المراقبة.

وأكد المتحدث أن الجريدة تتوفر على العديد من الوثائق البنكية وشهادات المرضى، والتي ستكون، حسب تعبيره، “هدية عيد الأضحى” للجهات القضائية المختصة.

وفي ظل هذه المعطيات الخطيرة، ترتفع الأصوات المطالبة بفتح تحقيق قضائي نزيه وشفاف يشمل الطبيب وكل من يثبت تورطه في هذه القضية، من أجل صون كرامة المرضى، وحماية الحق في العلاج، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن إعادة الاعتبار للقطاع الصحي بجهة كلميم وادنون.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن البسيط في كلميم دوره في طابورٍ لا ينتهي للحصول على موعد طبي، قد يُمنح له بعد فجر يوم البعث، يواصل “الطبيب الشبح” رحلاته المكوكية بين العيادات الخاصة والفنادق المصنفة، دون حسيب أو رقيب. أما المدير الجهوي ومندوب الصحة، فيبدوان وكأنهما يتنافسان على جائزة “أطول غفوة إدارية في التاريخ الصحي المعاصر”.

ويبقى الأمل معقودًا على أن تستفيق الجهات المسؤولة من سباتها العميق، وتعيد النظر في معايير “التكليف” و”التحفيز”، لأننا – كما يبدو – أمام نظام صحي لا يفرّق بين المستشفى ومنطقة استجمام، ولا بين الطبيب والمستثمر في بورصة الأمراض.

وحتى إشعار آخر، يبقى مرضى كلميم رهائن غرف الانتظار، والمصحات الخاصة تحصد الأرباح… وعلى أمل أن تُرسل الوزارة بعثة خاصة للبحث عن الضمير المهني المفقود، يُنصح المواطنون بحمل جوازات سفرهم إن رغبوا في العلاج، فالصحة في كلميم أصبحت، للأسف، تخصصًا خارجيًا معتمدًا بلا اعتماد.

04/06/2025

Related Posts