في مغرب المناسبات المتكررة والمعاناة الدائمة، لا شيء يتغير سوى مستوى الألم. فمع اقتراب عيد الأضحى، تعود مأساة النقل العمومي لتطل برأسها، ولكن هذه المرة برائحة الاستغلال الممنهج وغياب كامل للضمير.
آلاف المغاربة، أغلبهم من الطبقة الكادحة التي ما عادت تجد حتى ما “تذبحه”، يُذبحون هم أنفسهم على يد لوبيات النقل و”شناقة” المحطات الطرقية. تذكرة كانت تُشترى بـ60 درهمًا، صارت فجأة 180 درهمًا، في غياب أي منطق اقتصادي أو غطاء قانوني، فقط شريعة الغاب: من استطاع الدفع، سافر؛ ومن لم يستطع، فليتجرّع مرارة البقاء.
ومع ذلك، لا صوت يُسمع من المسؤولين. لا مراقبة، لا قرارات، لا تدخل. فقط صمت رسمي غريب لا يُفسّر إلا بأنه تواطؤ، أو في أحسن الأحوال، عجز فاضح أمام جشع أرباب النقل الذين حوّلوا الأعياد إلى مواسم استنزاف.
محطة أولاد زيان، التي أصبحت رمزا للفوضى والعشوائية، تغلي من الداخل. صراخ، تدافع، ارتفاع جنوني في الأسعار، وحضور خجول أو منعدم للسلطات. وكأن الدولة قررت أن تأخذ عطلتها السنوية هي الأخرى!
ثم يأتي التبرير الممجوج: “المحروقات غالية”. عذر أقبح من ذنب. فمنذ متى كانت الأزمة مبررًا للسرقة؟ وهل التضامن مع المواطن صار فقط شعارًا إعلاميًا في نشرات الأخبار؟
والمفارقة أن هذا الإقبال الكثيف على السفر يأتي في سنة تقرر فيها إلغاء الأضحية لأسباب مفهومة، لكن روح العيد عند المغاربة لا تزال حيّة. الرغبة في صلة الرحم أقوى من المنع، ولكنها تُواجَه بعقوبة مالية صارمة: إما تدفع، أو تبقى حيث أنت !
وسائل التواصل الاجتماعي انفجرت بتعليقات غاضبة. أحدهم كتب:
“فهمنا الحولي كيتباع غالي، ولكن المواطن؟ علاش حتى هو كيتسلخ؟”
سؤال مشروع. فـالمواطن المغربي لم يعد يذبح الكبش، بل صار هو الكبش. كل عام يُقاد إلى مذبح الأسعار، يُنزف جيبه أمام أعين دولة لا تبصر، ولا تحس، ولا تتدخل.
في النهاية، العيد سيأتي، لكن الفرح سيُقصى. لأن في مغرب 2025، ليس العيد لمن ذبح… بل لمن استطاع أن يسافر.
05/06/2025