في زمن الحقائق المنفوخة كعجلات الدراجة في يد مهرّج، تطالعنا الجارة الشرقية بين الفينة والأخرى بما تسميه “إنجازات عسكرية” تُشبه وصفات جدتي لعلاج الصلع : مدهشة في الادعاء، عديمة النتيجة. إعلامهم لا يتعب من تكرار عبارة “الجيش الوطني الشعبي الباسل” حتى تظن أنهم بصدد الحديث عن أسطورة مارفل جديدة، لا عن بُزّات متغبرة وأحذية تئن من فرط الترقيع.
أما الجنود، فغالبًا ما تجدهم في تقارير مصوّرة كئيبة، واقفين كتماثيل الشمع، لا حراك ولا حيلة، يحملون نظرات تائهة لا تقل فراغًا عن جيوب المتقاعدين. سلاحهم الوحيد؟ كاميرا تلفزيون رسمي و”مارش عسكري” يُذاع على نغمة وطنية من زمن الحرب الباردة.
ويأتيك الخبر: “25 مليار دولار سنويًا ميزانية الجيش!” فتبلع ريقك، وتخشى أن تكون قد قرأت الرقم بالمقلوب. ثم تطمئن سريعًا، لأنك تعرف أن تلك المليارات تذهب على الأرجح إلى صفقات طائرات لا تطير، ودبابات تُنقل على شاحنات في الاستعراضات، ثم تُركن خلف المتاحف بدل الجبهات.
ولا يمكن أن نغفل الأرقام “التبونية” الفريدة، وهي أرقام لا تخضع لأي نظام حسابي معروف، بل تنتمي لفنّ “الرسم بالرقم الوطني”. ألم يعلن الرئيس ذات عيد عن توفير “مليون كبش”؟ رقم حماسي أفرح القنوات، حتى ظن الناس أن البلاد بصدد فتح “وادي الكبش” بدل وادي السيلكون. ثم جاء العيد، فإذا بالخرفان في عداد المفقودين، والناس تقيم صلاة الحاجة بحثًا عن كتف مشوي أو حتى رأس.
وهكذا تمضي الأمور في جمهورية الورق المقوّى، حيث الجيش يُستخدم كخلفية مزخرفة للمهرجانات السياسية، لا للدفاع عن الوطن، بل عن وهمٍ اسمه “الاستقرار الاستعراضي”. أما العدو؟ فلا بدّ أن يكون “الجار الغربي”، لأنه أسهل من مواجهة ملفّات البطالة، الهجرة، والمجاري التي تفيض أكثر من فائض الميزانية المزعوم.
عندما يصبح الكبش سلاحًا استراتيجيًا، والمارش العسكري يُعزف على أنغام القروض الصينية، وحين يُقاس المجد بعدد الرتب لا بعدد الانتصارات… فاعلم أنك في أرض العجائب الشرقية. أرضٌ تعتقد أن العسكر يحكم، بينما في الواقع، هو نفسه بحاجة لمن يرشده إلى أقرب منفذ نجاة.
05/06/2025