يعيش الاقتصاد الصيني حاليًا واحدة من أعمق أزماته منذ عقود، في ظل تباطؤ النمو، وتراجع النشاط الداخلي، وتنامي القلق في أوساط المستثمرين، وسط بيئة عالمية متقلبة وداخلية مثقلة بالتحديات البنيوية.
بدأت ملامح الأزمة تتشكل بشكل أوضح عقب الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية باهظة على السلع الصينية، ما أضعف القدرة التنافسية للصادرات الصينية وأثر سلبًا على ميزان التجارة. إلا أن التحديات الداخلية – وعلى رأسها أزمة العقارات – زادت الطين بلة.
قطاع العقارات، الذي كان لفترة طويلة أحد محركات النمو الصيني، يعاني من اختلالات بنيوية خطيرة. فقد أدى التوسع المفرط في بناء المجمعات السكنية إلى وجود ملايين الوحدات الشاغرة، وتحول مناطق بأكملها إلى “مدن أشباح”. هذه الأزمة بلغت ذروتها مع تعثر شركات عملاقة كـ”إيفرغراند”، التي فشلت في سداد ديونها، مما أجبر حكومات محلية على اللجوء إلى الاقتراض لتفادي الانهيار.
في خضم هذه التحديات، حذّرت تقارير اقتصادية دولية من خطر انكماش اقتصادي طويل الأمد قد يتحول إلى أزمة أوسع، في ظل تراجع الطلب المحلي، وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، وركود الاستثمارات. كما أن استمرار اعتماد الصين على الأسواق الخارجية – التي تشهد بدورها اضطرابات اقتصادية وجيوسياسية – يعمق من المخاطر.
البيانات الرسمية الصادرة عن السلطات الصينية بشأن معدلات النمو والتوظيف والإنفاق تواجه تشكيكًا متزايدًا من المراقبين والخبراء، بسبب غياب الشفافية أحيانًا وتضارب المعلومات. كما أن نظام ملكية الأراضي في البلاد، الذي يُحجم قدرة المواطنين – خصوصًا الفقراء والمزارعين – على التملك، يسهم في ضعف قدرة الطبقات الدنيا على الادخار والاستثمار.
تبقى الصين، رغم كل التحديات، اقتصادًا يتمتع بقدرة كبيرة على التحول. لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل تستطيع بكين الخروج من هذا النفق المظلم دون كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة؟
الجواب يكمن في مدى استعداد الحكومة للقيام بإصلاحات عميقة، تتضمن تنشيط السوق الداخلية، وتقديم حوافز اقتصادية فعالة، وإعادة هيكلة قطاع العقارات بشكل جذري، مع تقليص الاعتماد على التصدير فقط كمحرك للنمو.
في ظل هذه المؤشرات المتشابكة، تبدو المعادلة الصينية معقدة ومرهقة. ورغم أن التجربة السابقة أظهرت قدرة الصين على تجاوز الأزمات الكبرى، إلا أن الظروف الحالية تتطلب إدارة حذرة، وقرارات جريئة، وسياسات أكثر شفافية لتفادي سيناريوهات الانكماش أو حتى الانهيار.
07/06/2025