مراسلة — كواليس الريف :
مع إشراقة صباح عيد الأضحى المبارك، يومه السبت ، لبس حي عبد المومن ببني انصار حلّته الروحية، واختفى خلف سُحب من المودة والتآزر، في مشهد لا يُرى إلا في أيام الخير والبركات. من الأزقة الضيقة إلى الشوارع الرئيسية، غلبت الأجواء الدينية والعائلية على كل المظاهر، وتحول الحي إلى فضاء للتسامح والبهجة وتلاقي القلوب.
منذ الساعات الأولى للصباح، عمّت أصوات التكبير والتهليل أرجاء الحي، وخرجت العائلات متجهة إلى المصلى لأداء صلاة العيد، في أجواء مهيبة تعكس عمق الروابط الروحية بين السكان. وما إن انتهت الصلاة، حتى بدأت زيارات التهاني المتبادلة بين الجيران والأقارب، حيث توحدت البيوت على إيقاع “عيد مبارك سعيد”، وتعددت الموائد التي جمعت الصغار والكبار، رغم بساطتها، بروح الكرم والدفء.
ولم يكن العيد مناسبة دينية فحسب، بل لحظة لإعادة بناء الجسور التي قطعتها ظروف الحياة، حيث شهد الحي مصافحات دافئة بين من فرّقتهم الأيام، ولقاءات غير متوقعة لأصدقاء لم تجمعهم الصدف منذ سنوات. الأطفال، من جهتهم، ملأوا الفضاء فرحًا وضحكًا، متنقلين بين البيوت لأخذ العيدية وتذوق الحلويات التقليدية التي أُعدّت بعناية ومحبة على أيدي أمهات وبنات الحي.
أما الأضاحي، فغابت هذه السنة، إذ التزم سكان الحي، شأنهم شأن باقي المواطنين عبر المملكة، بعدم نحر الأضاحي استجابةً لدعوة جلالة الملك محمد السادس، الذي دعا شعبه إلى عدم ذبح أضحية العيد لهذه السنة. ورغم ذلك، بادر العديد من أهل الخير إلى توزيع اللحوم على المحتاجين في الحي بسرية تامة، فتحوّل العيد إلى مناسبة للتضامن وتجسيد قيم التكافل الاجتماعي، من خلال مبادرات فردية وجماعية لاقت استحسان الساكنة بفضل بساطتها وخصوصًا لسرّيتها.
هكذا اختفى حي عبد المومن خلف أجواء العيد، لا صخب ولا صراخ، بل سكينة تحرسها المحبة، وفرح يسكن القلوب قبل العيون. إنه العيد حين يتحوّل إلى فرصة لتجديد الإنسان صلته بأسرته، بجيرانه، وبقيمه، في مشهد يعيد للمدينة شيئًا من دفئها الإنساني الذي نفتقده طيلة العام.