رغم الضغوط والإكراهات التنظيمية، يواصل المغاربة المقيمون بمدينتهم المحتلة “مليلية” تشبثهم الراسخ بانتمائهم الديني والروحي للمملكة المغربية، وتأكيدهم المتجدد لروح البيعة الشرعية لأمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس.
وقد تميّزت احتفالات عيد الأضحى لهذه السنة بتراجع كبير في عدد الأضاحي، التزامًا بالتوجيهات الملكية، في خطوة تعبّر عن وعي جماعي ومسؤولية دينية ووطنية. ويعكس هذا التراجع، في الوقت ذاته، الارتباط العميق والمستمر بين رعايا صاحب الجلالة في الثغر المحتل، رغم محاولات السلطات الإسبانية المتكررة للتشويش عليه دون جدوى.
ولا تُخفي السلطات الإسبانية قلقها المتواصل من ارتباط سكان مليلية بهويتهم المغربية، وخصوصًا ولاءهم الديني لإمارة المؤمنين، باعتبارها ركيزة أساسية في البنية الثقافية والروحية للمغاربة. وقد عبّرت عن هذا التوجس مرارًا، وحاولت عبثًا زرع الفتنة بين مكونات اللجنة الإسلامية ولجان المساجد، بهدف تقليص الحضور الرمزي والديني للمغرب داخل المدينة المحتلة.
إلا أن هذه المحاولات، وكما هو معتاد، تصطدم بصلابة الانتماء لدى المغاربة، الذين ظلّوا أوفياء لاختياراتهم المذهبية المعتدلة، المنبثقة من الفقه المالكي والقيادة الروحية لأمير المؤمنين، في مواجهة التيارات المتطرفة، وعلى رأسها الفكر الوهابي، الذي تسعى بعض الجهات الخارجية إلى زرعه وسط الجالية المسلمة بدعم غامض المصدر.
وقد سُجل هذا العام تراجع غير مسبوق في عدد الأضاحي، حيث لم يتجاوز العدد الإجمالي 2350 خروفًا و15 جديًا، أي ما يقل بأكثر من النصف مقارنة بالسنوات الماضية. ويُعزى هذا التراجع إلى الالتزام بقرارات المملكة وتنفيذ توجيهاتها.
ولتدبير الأوضاع، خصّصت السلطات الإسبانية تسع خيام موزعة على خمسة أحياء، مزودة بالماء والصرف الصحي وخطاطيف اللحوم، ومجهزة بأطقم بيطرية ومراقبين وعمال نظافة. ومع ذلك، بقي الإقبال ضعيفًا، وتأخر بدء عمليات الذبح إلى ما بعد الساعة العاشرة صباحًا، في مشهد غريب عن تقاليد العيد المعتادة التي تنطلق مع تباشير الفجر.
وبالنسبة للمغاربة، تُمثّل الأضحية أكثر من مجرد شعيرة دينية؛ فهي فعل رمزي يُجسد الولاء للثوابت الوطنية: الإسلام المعتدل، والمذهب المالكي، وإمارة المؤمنين كضمانة للاستقرار الروحي والديني. ورغم القيود، يواصل المغاربة في مليلية احتفالهم بعيد الأضحى كبيعة متجددة، ورفض صريح لأي اختراق فكري مشرقي أو تبعية مذهبية دخيلة.
وهكذا، بين خيمة الذبح وخيمة المراقبة، ووسط تعليمات صارمة وهمس أمني ثقيل، لا يزال المغاربة في مليلية السليبة يُحيون شعائرهم في صمت، ويجددون ولاءهم لأمير المؤمنين. أما “القلق الإسباني”، فيبدو أنه سيحتاج – قبل أن يرتاح – إلى خروف آخر… ليس للذبح هذه المرة، بل … للفهم.
07/06/2025