في مؤتمر جهوي طغت عليه التوترات السياسية والمزايدات الإعلامية، خرج رئيس ما يسمى بحكومة سبتة المحتلة، خوان ڤيڤاس، ليُبشّر الحضور بـ”الوصفة السحرية” لإنقاذ الأقاليم من المآزق: التعاون المؤسسي. نعم، التعاون، ذلك المفهوم النبيل الذي يبدو أنه لا يحتاج إلا إلى قليل من النوايا الطيبة وكثير من الميزانيات المركزية.
ڤيڤاس، الذي يبدو أنه يهوى التذكير بـ”نموذج سبتة”، صوّر التنسيق بين حكومته المحلية والحكومة المركزية وكأنه لوحة مثالية من دروس التربية الوطنية. ولمزيد من الإبهار، استهل مداخلته بتهنئة المسلمين المغاربة بعيد الأضحى، في مشهد أقرب إلى استعراض نوايا حسنة داخل مدينة ما تزال تحت السيادة الإسبانية، رغم أنف التاريخ والجغرافيا.
ولأن لكل مدينة خصوصياتها، ذكّر ڤيڤاس الحضور بأن سبتة ليست كغيرها: لا من حيث موقعها، ولا من حيث التحديات، ولا حتى من حيث “الحلول السحرية” التي تطلبها. فقد استحضر لحظة عام 2021، التي “اهتزت” فيها المدينة، ليطالب الدولة الإسبانية مجددًا بإجراءات استثنائية، وكأن سبتة جزيرة معزولة في وسط المحيط.
وكأي مسؤول بارع في إدارة المطالب، لم ينسَ ڤيڤاس أن يحمل معه قائمة طويلة من الاحتياجات الملحّة. بداية بالسكن، حيث ناشد الحكومة بتفعيل اتفاق مع وزارة الدفاع لتفويت 8% من أراضي المدينة لفائدة الإسكان الاجتماعي. فالجيش، كما يبدو، يملك مفاتيح الحلول العقارية في مدينة تعاني من الضيق.
أما التعليم، فهو – حسب ڤيڤاس – يتصدر سلّم الكوارث، إذ تسجل سبتة أضعف النتائج على المستوى الوطني. والحل؟ بناء مدرسة هنا، وترميم مدرسة هناك، وتعزيز فرع جامعة غرناطة، الذي يبدو أنه يدرّس في مدينة لا يعرف أغلب طلابها إلى أي جهة تنتمي جغرافيًا!
وفي ملف الطاقة، عبّر ڤيڤاس عن سعادته باقتراب انتهاء مشروع الربط الكهربائي مع “الوطن الأم”، وكأن سبتة ما تزال تنتظر وصلة تمدّها بالحياة من شبه الجزيرة… لا من أقرب نقطة مغربية تبعد عنها دقائق.
ملف الهجرة لم يغِب عن خطاب ڤيڤاس، الذي كرر دعم قوات الأمن ودعا إلى استمرار العمل بنظام التأشيرات، متناسياً أن أغلب من يُمنعون من الدخول هم أقرب جغرافيًا وثقافيًا من أي زائر يأتي من مدريد. أما القاصرون غير المصحوبين بذويهم، فقد تحوّلوا في كلمته إلى عبء إحصائي يُهدد بانفجار ميزانية المدينة، لا إلى كائنات بشرية في حاجة إلى حماية.
ڤيڤاس طالب أيضًا بخفض تكاليف النقل الجوي والبحري، وكأن سبتة على كوكب آخر. كما لم ينسَ “أزمة التمويل”، ليطالب بنظام خاص يتناسب مع “الخصوصية الفريدة” للمدينة. حتى الصحة النفسية وجدت لها مكانًا في خطابه، إذ دعا إلى تصنيف المدينة كـ”منطقة صعبة”، لا نعرف: هل يقصد صعوبة العيش فيها أم صعوبة إدارتها؟
وفي ختام مداخلته، عاد ڤيڤاس ليشدد على أن حكومته المحلية مستعدة لتقديم “أقصى درجات التعاون والولاء” للحكومة المركزية، فقط لو استجابت لنداءاته المتكررة بالدعم. يبدو أن التعاون في سبتة يُقاس بعدد التحويلات المالية القادمة من مدريد، لا بعدد الخطوات السياسية لحل معضلة مدينة لا تزال خارجة عن السياق التاريخي الطبيعي لجوارها.
07/06/2025