kawalisrif@hotmail.com

إسبانيا: “الجزيرة الخضراء لله” – الإسلام يعود بقوة إلى جنوب أوروبا

إسبانيا: “الجزيرة الخضراء لله” – الإسلام يعود بقوة إلى جنوب أوروبا

الجزيرة الخضراء — كواليس الريف  :

في مدينة الجزيرة الخضراء الواقعة على الحدود الجنوبية لإسبانيا، تعيش تحولات اجتماعية ودينية لافتة تشير إلى عودة قوية للإسلام في واحدة من أهم بوابات أوروبا نحو العالم العربي والإسلامي. صحيفة إسبانية وصفت المشهد بعنوان مثير: “الجزيرة الخضراء لله”، في إشارة إلى تصاعد الحضور الإسلامي داخل المدينة، خاصة في الأحياء ذات الكثافة المغربية العالية.

يقدّر معهد دراسات منطقة “كامبو دي جبل طارق” عدد المسلمين المقيمين في الجزيرة الخضراء بحوالي عشرة آلاف شخص، غالبيتهم من أصول مغربية. ويشارك هؤلاء سنويًا في إحياء شعائر عيدي الفطر والأضحى بشكل جماعي واحتفالي، وسط مؤشرات على أن نسبتهم ستصل قريبًا إلى 10% من سكان المدينة.

يرتبط معظم المساجد في المدينة باتحاد الجماعات الإسلامية في إسبانيا (UCIDE)، بينما يتبع مسجد “الرحمة” فقط اتحاد الكيانات الدينية الإسلامية (FEERI). هذه الاتحادات لا تكتفي بتنظيم الحياة الدينية للمسلمين، بل تمثلهم أيضًا أمام الدولة من خلال اللجنة الإسلامية الإسبانية (CIE)، التي تهيمن عليها UCIDE بنسبة 60%، في حين لا تُمثّل FEERI سوى بثلاثة مقاعد من أصل 28 مقعدًا.

الاتحادان الرئيسيان يختلفان في التوجهات، إذ تأسست FEERI عام 1990 على يد إسباني اعتنق الإسلام، ثم تحوّلت لاحقًا إلى إدارة مغربية، واتُّهمت في تقارير إعلامية بتنفيذ توجيهات قادمة من الرباط. كما أبدت، في وقت لاحق، تعاطفًا مع جماعة “العدل والإحسان” المغربية المحظورة. في المقابل، يواجه رئيس UCIDE، أيمن أضالبي، تحقيقات بشأن مزاعم تمويل جماعات مرتبطة بالقاعدة في سوريا.

مثل هذه القضايا تعكس تعقيد المشهد الإسلامي في إسبانيا، وتزيد من المخاوف لدى السلطات من تداخل الدين مع السياسة والأمن.

يتقاضى أئمة المساجد في الجزيرة الخضراء رواتب تتراوح بين 400 و1000 يورو شهريًا. وبعض هذه المساجد يضم مدارس قرآنية تُدرّس للأطفال اللغة العربية والقرآن مقابل رسوم رمزية، مما يعكس حرص الجالية على الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية.

ومع ذلك، تُلقى خطبة الجمعة بالعربية الفصحى، رغم أن عددًا متزايدًا من المصلين لا يفهمها، خصوصًا من أصول غير عربية. وبرغم أن الشريعة تُجيز إلقاء الخطبة بلغة مفهومة، فإن معظم الأئمة لا يجيدون غير الفصحى، ما يخلق حاجزًا لغويًا بين الخطبة والجمهور.

تفضل الجاليات المغربية في المدينة العيش في أحياء خاصة بهم، بعيدة عن التأثيرات الثقافية الإسبانية، التي يعتبرونها تهديدًا للقيم الأسرية والدينية. يخشى الآباء المغاربة من انخراط أبنائهم في ممارسات يرونها “غير أخلاقية” مثل شرب الكحول، العلاقات قبل الزواج، أو التحرر من المظهر الإسلامي التقليدي.

هذا الانغلاق أدى إلى نشوء صدام ثقافي هادئ بين الجالية المغربية والمجتمع المحلي، وتحديدًا بين الآباء المتمسكين بقيم بلدهم الأصلي، وأبنائهم الذين يعيشون في بيئة إسبانية منفتحة.

هذا الصدام يظهر بوضوح في مرحلة المراهقة. إذ أظهرت شهادات عدد من الطلاب المغاربة أن كثيرًا منهم يخفون علاقاتهم العاطفية عن أسرهم، ويجدون صعوبة في التوفيق بين حرياتهم الشخصية ومتطلبات العائلة. ويعكس هذا فجوة جيلية صارخة، تتجلى أيضًا في مواقف متباينة من قضايا مثل ارتداء الحجاب، أو احترام الصيام، أو السفر إلى المغرب في الصيف.

رغم تراجع الحجاب في الإعلام المغربي، لا يزال في الجزيرة الخضراء يُعتبر رمزًا دينيًا واجتماعيًا قويًا. لكن دراسات محلية تشير إلى أن 75% من الفتيات المسلمات في المدارس يفضّلن عدم ارتدائه بشكل دائم، خوفًا من وصمهن فقط كـ”مسلمات”.

لا يشعر معظم الشباب المغاربة في إسبانيا بانتماء كامل لأي من الثقافتين، المغربية أو الإسبانية. فبحسب استطلاعات، يرى 87% منهم أن أسماءهم الإسلامية تشكل عائقًا أمام الحصول على سكن، ويعتقد 83% أنها تُصعّب فرصهم في سوق العمل. وهي أرقام تؤكد وجود تمييز بنيوي تغذّيه خطابات عنصرية وإعلامية وأحيانًا رسمية.

مرصد العنصرية الإسباني (Oberaxe) يعتبر هذه الأزمة نتيجة مباشرة لتزايد الإسلاموفوبيا التي غذّتها أحداث الإرهاب، وخطابات الأحزاب اليمينية، والتغطيات الإعلامية المتحيزة. ويشير خبراء إلى أن هذا الشعور بالرفض المجتمعي قد يدفع بعض الشباب نحو خيارات متطرفة، خصوصًا في غياب احتواء ثقافي وتعليمي وأسري حقيقي.

في مدينة تبدو كأنها نقطة التقاء بين عالمين، تتكثف تناقضات الهوية والانتماء والاندماج. فالجزيرة الخضراء، بتاريخها العريق وجغرافيتها الخاصة، ليست فقط بوابة عبور نحو أوروبا، بل أيضًا مرآة تعكس واقعًا مُعقّدًا يعيشه آلاف المسلمين في المهجر.

إنها قصة مجتمع لا يزال يبحث عن توازنه بين الجذور والتجذّر، بين الدين والثقافة، بين الأصل والمستقبل.

09/06/2025

Related Posts