kawalisrif@hotmail.com

تحقيق إستقصائي :    التعليم الأولي بالحسيمة … شعارات إصلاحية تغطي واقع مرير من الزبونية والتسلط

تحقيق إستقصائي : التعليم الأولي بالحسيمة … شعارات إصلاحية تغطي واقع مرير من الزبونية والتسلط

رغم الشعارات الرسمية التي تجعل من التعليم الأولي ركيزة للإصلاح التربوي، يكشف الواقع داخل مؤسسات التعليم الأولي التابعة لمؤسسة FMPS بإقليم الحسيمة عن وجه مغاير، تحكمه الزبونية، التسلط الإداري، تمييع المهنة، وتهميش الكفاءة.

بداية من القمة: مسؤول إقليمي في موقع شبهات
تحقيقنا ينطلق من شخصية محورية: المسؤول الإقليمي للمؤسسة، الذي وصل إلى منصبه في ظروف مشبوهة، حيث تؤكد مصادر مطلعة أن تعيينه تم بفضل علاقة قرابة ونفوذ عائلي، وليس عبر مسار مهني تنافسي شفاف.

قبل توليه هذا المنصب، عمل المعني بالأمر مع جمعية إسبانية مثيرة للجدل، كانت تُراكم معطيات دقيقة حول الوضع الاجتماعي والثقافي بمنطقة الريف، وهو ما يثير تساؤلات مقلقة حول طبيعة تلك العلاقة وحدود تأثيرها الحالي.

—  ولاءات لا كفاءات: المربيات تحت رحمة “الاختيار الشخصي”

في ظل غياب أي إعلان رسمي أو شفافية في نتائج التعيينات، تمنح المناصب بناءً على العلاقات والقرابة والولاء، ما أنتج حالة من الغبن العميق داخل القطاع. شهادات متعددة أكدت أن المعايير المهنية غير مُعتمدة، وأن الزبونية هي المتحكم بشكل مباشر في اختيار من تشتغل ومن تُقصى.

— مهنة بلا مهنة: مربيّات “لا مهنة لهن”

هذا الوضع خلق واقعًا غريبًا ومتناقضًا، حيث تحوّلت مهنة التربية النبيلة إلى لا مهنة، تُمارَس تحت ضغوط نفسية ومادية، دون استقرار وظيفي أو أفق واضح، لتجد المربية نفسها تشتغل بلا حماية، بلا أجر مستقر، وبلا اعتراف قانوني بحقوقها، وتُعامل في بعض الحالات كعاملة موسمية لا كإطار تربوي.

— مشرفات بدون كفاءة.. وسلطة فوق القانون

المُثير أن العديد من المشرفات التربويات لا يمتلكن أي مستوى بيداغوجي واضح، ولا يُقدمن إضافة مهنية تُذكر، ومع ذلك يمارسن سلطة مطلقة داخل المراكز، يُراقبن، يُحاسبن، ويُهددن، في ظل غياب أي مراقبة أو تقويم موضوعي.

وقد أكد عدد من المربيات أن الهدايا والرشاوى والمجاملات أصبحت السبيل الوحيد لكسب رضا المشرفة، في مشهد يُشبه أسلوب الإقطاع الإداري، حيث تُستغل سذاجة بعض المربيات الجدد لإيهامهن بأن إرضاء المشرفة أهم من أي أداء تربوي.

تقول إحدى المربيات: “من لا تقدم عطراً أو حلوى أو هدية في مناسبة ما، تُسجل ضدها تقارير مغرضة… حتى إن الكفاءة أصبحت عبئًا أمام ثقافة الولاء.”

— تسويق مزيّف على ظهر المعاناة

في تناقض صارخ مع هذا الواقع، تُنشر بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لأنشطة الأطفال، تُظهر المؤسسة في صورة وردية. غير أن مصادرنا تؤكد أن هذه الفيديوهات تُستخدم كواجهة دعائية لتلميع صورة المسؤولين، في حين يغيب التوثيق الصادق للواقع، سواء من حيث ظروف العمل أو الوسائل التربوية.

,– تواطؤ أم صمت؟ موقف المديرية والنقابات

في هذا المشهد، تغيب المديرية الإقليمية للتعليم بشكل تام، ويُسجل سكوت بعض النقابات التي يُفترض أن تحمي الشغيلة التعليمية. وفي المقابل، تؤكد شهادات موثوقة أن المسؤول الإقليمي يعتبر كل تحرك نقابي جريمة، ويُواجه أي محاولة للتنظيم أو المطالبة بالحقوق بـ”التهميش، التهديد بالنقل أو بتجميد الملفات”.

— شطحات ومسارات انتقائية:

المسؤول الإقليمي نفسه، وفق شهادات متطابقة، يتواصل فقط مع المربيات المتملقات، ويواظب على حضور الأنشطة التي تُنظمها المتملقات، بينما يتجاهل المؤسسات التي تعاني من أعطاب حقيقية، وقد عُرف محليًا بـ”شطحات استعراضية” يفضل من خلالها المجالسة والتكريم الانتقائي بدل المعالجة الجذرية.

— المكافأة مقابل الصمت

الأدهى أن عددًا من المربيات والمربين القدامى المعروفين بمواقف نقدية، تم احتواؤهم ومكافأتهم بمناصب تنسيقية أو صلاحيات رمزية مقابل الصمت والتواطؤ، مما عمّق مناخ الانقسام والريبة داخل الجسم التربوي .

— التنسيق النقابي خيار الضرورة :

أمام هذا الواقع، بدأت مربيات التعليم الأولي من مختلف الجماعات في الإقليم، بالتحرك نحو تأسيس تنسيق نقابي مستقل، يجمع الأصوات الرافضة للتسلط الإداري، ويطرح بديلًا نضاليًا يعيد الاعتبار للمهنة، ويُطالب بمقاربة جديدة تجعل من التعليم الأولي رافعةً فعلية للعدالة التربوية والاجتماعية.

التحقيق يكشف أن التعليم الأولي بإقليم الحسيمة، تحت إشراف مؤسسة FMPS، يعيش أزمة أخلاقية ومؤسساتية، عنوانها: الفساد الصغير بصيغة تربوية. من جهة، مسؤولة تُسيّر بمنطق العلاقات والولاء، ومن جهة أخرى، مشرفات بلا كفاءة ولا مراقبة، ومربيات مقهورات، يُطلب منهن العمل في صمت، وتقديم الهدايا، وغض الطرف عن الإهانة المهنية.

11/06/2025

Related Posts