في قلب صيف قائظ تجاوزت فيه درجات الحرارة 30 درجة مئوية، تعيش مدينة مليلية المحتلة واحدة من أكثر الأزمات عبثية في تاريخها الحديث: أزمة مياه بلا نهاية، رغم ضخ أكثر من 30 مليون يورو في مشروع محطة تحلية كان من المفترض أن يُنهي معاناة السكان. لكن، وبدلًا من أن يتحول المشروع إلى “منقذ عطشان”، تحوّل إلى رمز جديد للتخبط الإداري وتبادل الاتهامات العقيم بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية في مدريد.
وفي خضم هذا العطش الجماعي، أطلقت مندوبة الحكومة المركزية، صابريـنا موح، تصريحًا حارقًا ساخرًا دخل فورًا موسوعة التصريحات التي لا تُنسى: “من أراد الاستحمام، فليذهب إلى السوبر ماركت ويشترِ جالون ماء”.
تصريح بدا أقرب إلى “مزحة ثقيلة” منه إلى توضيح رسمي، لكنه لاقى رواجًا واسعًا بوصفه اختصارًا ساخرًا لما آلت إليه الأوضاع: مواطنون يدفعون الضرائب، لكنهم لا يحصلون حتى على أبسط حقوقهم… الماء!
وفيما يشبه مباراة تنس إعلامية، ردت السلطات المحلية على لسان رئيس المدينة المنتمي للحزب الشعبي، متهمة الحكومة المركزية و”كونفدرالية وادي الوادي الكبير” بالفشل في ضمان الإمدادات، بينما ردت موح باتهامهم بالتناقض والهروب من المسؤولية، مذكّرةً أن صلاحيات تسيير المياه قد تم تفويضها بالكامل منذ سنوات، لكن يبدو أن ملف الماء ما زال يتنقّل في الأدراج بدل الأنابيب.
وقالت موح مستنكرة: “ينتقدون الحكومة المركزية ويعقدون اجتماعات حول أزمة المياه دون حتى دعوتنا، ثم يتوقعون منا أن نحل الأزمة من بعيد!”. وتابعت بأن الأزمة ليست في البنية التحتية، بل في إدارة المشروع، معتبرة أن صرف 30 مليون يورو على توسعة لا تروي العطش “فضيحة في حد ذاتها”.
في هذه الأثناء، لا يهم السكان من المسؤول الحقيقي، بقدر ما يريدون ببساطة… أن تصل المياه إلى منازلهم. وفي أحياء كاملة، باتت مشاهد العائلات التي تصطف أمام محلات بيع المياه بالجملة للحصول على جالونات بلاستيكية مشهدًا يوميًا، وسط صمت الصنابير وضجيج السياسيين.
وهكذا تواصل مليلية المحتلّة استعراض «مناقب» الحداثة على الطريقة الاستعمارية: قاعدة عسكرية في البحر المتوسّط، أعلامٌ ترفرف على الأسوار، و30 مليون يورو تُرمى في بحرٍ مالح ليعود إلينا في عبوات بلاستيكية تُباع في السوبرماركت. باختصار، استعمار القرن الحادي والعشرين لا يحتاج مدافع ولا سفن حربية؛ يكفيه صنبورٌ جافّ وصورة مندوبةٍ تُخبر السكان أن الاستحمام رفاهيةٌ تُشترى بالجالونات. أما الحقّ في الماء، فقد أُحيل – شأنه شأن التحرّر – إلى إشعارٍ آخر… أو إلى مناقصةٍ جديدةٍ «لتحلية» ما تبقّى من الكرامة.
18/06/2025