في بلد العجائب والمفارقات، حيث تتحوّل الكوارث إلى منجزات، والسطو الممنهج إلى “شراكة مجتمعية”، تتلألأ “صوناصيد” اليوم في سماء الوطنية كمؤسسة مواطِنة، راعية للرياضة، حاضنة للمنتخبات، بعد أن كانت حتى الأمس القريب كابوسًا يطبق على أنفاس سكان ضواحي الناظور.
المفارقة الصادمة؟ أن الأرض التي تحوزها حاليًا وتسعى “صوناصيد” لبيعها، بمئات الهكتارات، لم تكن يومًا في حوزتها الشرعية، بل جرى نزعها من مواطنين بسطاء باسم “المنفعة العامة”… تلك المنفعة التي لم تنفع أحدًا سوى أرشيف الشركات.
المنفعة التي بُشِّر بها الأهالي، غادرت سلوان إلى الجرف الأصفر، وتركت السكان في حالة ذهولٍ أصفر، بعد أن جرى تعويضهم بسعر لا يشتري حتى شطيرة خبز: “درهم ونصف” للمتر! من قَبِل، عاش بحسرة، ومن رفض، وجد نفسه “مكرَّمًا” في ضيافة رجال الأمن، في مشهد يعيد إلى الأذهان أيام إدريس البصري، حيث الوطنية تُقاس بعدد مرات الاستدعاء لا بالانتماء.
وما إن انتهت “صوناصيد” من رقصتها على رماد الحلم الجماعي، واستخلصت آخر ما تبقّى من “حديد” عظام الناظوريين، حتى تنكّرت لوعودها، وتخلّت عن بناء المصنع الموعود، لتُحوِّل الأرض المُغتصبة إلى مشروع عقاري فاخر، وكأنها كانت سيدة الأرض والسماء منذ الأزل. أما السكان، فقد أُدرجوا بلطفٍ رسمي في سجل “المنسيين إداريًا”، بضوء أخضر من إدارات لا ترى الفقراء إلا كأرقام زائدة.
وكما جرت العادة في هذا الوطن، حين تختلط السياسة بالرياضة، والمصالح بالبطولات، عادت “صوناصيد” في الثمانينات لتجسّد دور الراعي الحنون، فاحتضنت نادي هلال الناظور بمنحة بلغت 150 مليون سنتيم. منحة سرعان ما تبخّرت، تمامًا كالوعد، لتترك خلفها فريقًا يتخبّط في ظلام التهميش، بعد أن تخلّت الشركة، فور خوصصتها، عن كل التزاماتها… كأن شيئًا لم يكن.
واليوم، وبينما ما زال هلال الناظور يبحث عن أثرٍ لأيام المجد، تطلّ علينا “صوناصيد” بحلّة جديدة، راعية رسمية للجامعة الملكية لكرة القدم، شريكة في “إشعاع المملكة” خارجيًا… بعد أن أطفأت أنوار أحياء بأكملها داخليًا.
صوناصيد اليوم تظهر على الشاشات بابتسامة عريضة وتقول بثقة: “نحن هنا من أجلكم!”
أما الناظور، فليس أمامه إلا أن يصفّق… أو يصمت كي لا يزعج حديد الذاكرة وهو يُطرَق على رؤوس البسطاء.
فليُرفع الستار عن “الوطنية على المقاس”، وليُعزف السلام الوطني من قلب مصانع لا تُبنى، فوق أراضٍ لا تُسترد، وبأسماءٍ تُحذف من الذاكرة كما تُمحى الملفات من رفوف الإدارات.
نعم، قد تلتهمك الشركات صغيرًا، وتبيعك كبيرًا، ثم تعود لتربّت على كتف الوطن باسم “الدعم الرياضي”… وطنٌ تُكتب فيه الرواية دومًا من وجهة نظر المنتصر، ويُطبع فيها الألم بشعار: “شريك رسمي للمستقبل!”
18/06/2025