تصاعدت صرخة عائلة مغربية مكلومة على فاجعة لا تزال تفاصيلها تثير الذهول والغضب في آن واحد. عبد الرحيم، شاب في الثلاثينات من عمره، وُصف من قبل أسرته بأنه كان يُصارع الشيزوفرينيا والإدمان والعزلة، توفي اختناقًا على يد شرطي خارج أوقات الخدمة، بمدريد ، لم يكن فقط يحمل صفته الأمنية بل أيضًا صفة محامٍ نقابي… وكان في حالة سكر.
ما حصل لم يكن مشاجرة عادية، ولا حادثًا عرضيًا. بحسب شهود العيان، استمر الشرطي في خنق عبد الرحيم لمدة تراوحت بين 10 إلى 15 دقيقة، وسط صراخات المارة الذين حذروا: “دعه… ستقتله!”. التهمة؟ ادّعاء سرقة هاتف محمول.
وفيما لا يزال جسد عبد الرحيم محفوظًا في ثلاجة الموتى، عبّر شقيقه مراد عن شعور العائلة باليأس: «القاتل في منزله، مع أولاده، وتحت المكيف… ونحن لا نعلم حتى متى سيُفرج عن جثمان أخي»، مضيفًا: «لقد قتلوا عبد الرحيم… ونحن لا نطلب سوى العدالة».
عبد الرحيم لم يكن مجرمًا بالفطرة كما أراد البعض تصويره. قبل أن يختنق على يد من يفترض به أن يحمي الناس، كان الشاب يعاني من انهيار نفسي تدريجي منذ العام 2022، حين بدأت تظهر عليه أعراض ذهانية واضحة: أرق مزمن، هلاوس، نوبات ذعر، وانفصال عن الواقع.
أسرته نقلته إلى مستشفى للأمراض النفسية بعد أن مزّق مصابيح البيت في نوبة ذعر ليلية. الأطباء أكدوا أنه بحاجة ماسة للبقاء تحت المراقبة، غير أن المستشفى قرر تسريحه لاحقًا، رغم اعتراض العائلة: «قلنا لهم إننا لا نملك 10 آلاف يورو شهريًا لوضعه في مركز خاص، ولم نجد من يساعدنا»، تقول شقيقته شيماء.
بعد خروجه، عاد عبد الرحيم ليعيش لحظات مستقرة قصيرة، قبل أن تعاوده الكوابيس: «كان يتخيل أن هناك من سيقتله، أن أشخاصًا يختبئون في الجدران، وأن أمه في خطر»، تروي شقيقته. وفي لحظة انفصام مأساوية، قفز من شرفة المنزل محاولًا “النجاة” من الخطر الوهمي… فتهشّمت ساقاه، وأصبح مقعدًا لعامين كاملين.
الشرطة الإسبانية أفرجت عن الجاني – الشرطي المحامي – بهدوء ومن دون ضجيج. بل ونقلته بسيارة رسمية من المحكمة حتى لا تلتقطه عدسات الكاميرات. «كأنهم يحمونه من الحقيقة»، يقول مراد. «هل هذه هي العدالة التي يتحدثون عنها ؟».
عائلة عبد الرحيم تُحمّل الدولة مسؤولية “قتله مرتين”: مرة حين تخلّت عنه مؤسسات الصحة النفسية، ومرة حين تركت قاتله حراً طليقاً.
مأساة عبد الرحيم تفتح مجددًا ملفًا مسكوتًا عنه في أوروبا: كيف تُعامَل الفئات الهشة، المصابون بالأمراض النفسية، المهاجرون، والذين لا يمتلكون مالًا ولا شبكة دعم قانونية؟ هل يكفي أن يُتهم شخص فقير ومريض بالسرقة ليُحكم عليه ميدانيًا بالإعدام خنقًا؟
وفي الوقت الذي تكافح فيه العائلة لإعادة جثمان ابنها ودفنه بكرامة، تتكشّف ملامح نظام قانوني وأخلاقي يبدو أنه لا يمنح “العدالة” لكل الضحايا بالتساوي… بل حسب اللون والمكان والحالة الصحية.
21/06/2025