في مشهد سياسي مشحون بالتحديات والرسائل المشفرة، انعقد المؤتمر الإقليمي الثاني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجرسيف، مساء أمس الجمعة 20 يونيو 2025، تحت شعار: “جرسيف: ملتزمون ومستمرون…”، بحضور وازن لقيادات حزبية جهوية ووطنية، يتقدّمهم الكاتب الأول إدريس لشكر، وبرلمانيون، وفعاليات نقابية ونسائية، في لحظة بدت في ظاهرها احتفالًا بالدينامية التنظيمية، وفي باطنها تسوية لملفات شخصية معلقة منذ أشهر.
في كلمته الافتتاحية، قدّم إدريس لشكر جردًا سياسويًا مشبعًا بالمديح الذاتي، مبرزًا ما وصفه بـ”التحولات الإيجابية” داخل التنظيم الحزبي بالإقليم، مشيدًا بـ”المناضلين والمناضلات” الذين صنعوا مؤتمرات ناجحة لقطاعات الحزب الموازية. لكن ما لم يقله لشكر صراحة، هو أن المؤتمر كان أيضًا مناسبة لتبريد الجمر تحت الرماد، بعدما تفجّرت خلافات داخلية كادت تعصف بوحدة التنظيم في منطقة الناظور.
بعيدًا عن الشعارات الرنانة، خطف صراع داخلي محلي الأنظار في المؤتمر. فقد شكّل اللقاء مناسبة لعقد صلح حزبي هشّ بين البرلماني الاتحادي المخضرم محمد أبركان، ورئيس جماعة الناظور سليمان أزواغ، بعد شهور من التوتر بلغ ذروته عندما رفض الأخير التوقيع على شهادة إدارية تهم منزل أبركان بشارع المسيرة. قرار أزواغ اعتُبر تمردًا داخليًا من تلميذ على أستاذه، خصوصًا أن أبركان كان من أكبر داعميه في انتخابات رئاسة الجماعة.
وحسب مصدر حضر المؤتمر، فإن لشكر لعب دور “وسيط التسوية”، ليخرج الجميع بوجه سياسي مقبول. الصفقة كانت واضحة: أزواغ يلتزم بحل مشكل الشهادة الإدارية، التي يراها أبركان حقه المشروع ، مقابل تنازل الأخير عن الترشح للانتخابات التشريعية القادمة في صيف 2026 لصالح أزواغ … هكذا إذن، صكوك الغفران تُوزّع داخل الحزب لا على أساس الكفاءة أو النضال أو التجربة ، بل وفق معادلات محلية أقرب لــ”منطق السوق” منه إلى السياسة ، والأجدر بها حقا هو أبركان نظرا لقاعدته الكبيرة ودفاعه المستميت عن المنطقة .
في ختام كلمته، أطلق لشكر عبارة بدت كأنها موجهة لخصومه داخل الحزب قبل خارجِه، قائلاً: “واهمٌ من يطرح سؤالًا عن أي قيادة لمؤتمرنا القادم، فكلنا في الاتحاد الاشتراكي قادة”. لكن المتتبعين قرؤوها على أنها محاولة استباقية لإسكات الأصوات المطالِبة بالتغيير داخل القيادة، وتأكيدٌ مبطّن على أن مفاتيح القرار لا تزال في يد “الحرس القديم”، مهما تغيّرت الوجوه وتبدّلت الشعارات.
ما شهدته جرسيف لم يكن مجرّد مؤتمر تنظيمي روتيني، بل لحظة سياسية تكشف مجددًا عن عمق التحولات – وربما الانكسارات – التي يعيشها الاتحاد الاشتراكي. بين خطاب الإصلاح والعودة إلى القواعد، وبين صفقات الكواليس وتسويات المصالح، يقف الحزب أمام تحدٍّ وجودي: هل يمكن أن يستعيد مصداقيته أمام المواطنين، وهو يعيد إنتاج نفس الممارسات التي كان ينتقدها بشراسة ذات يوم ؟
لقد نجح “المؤتمر الإقليمي” في تحقيق ما عجزت عنه أشهر من الوساطات والنداءات، حين جمع المحنك محمد أبركان وتلميذه السياسي بالتبني سليمان أزواغ تحت خيمة واحدة … لا على أساس رؤية حزبية أو مشروع تنموي، بل على إيقاع شهادة إدارية وكرسي انتخابي مؤجل. فأبركان تنازل… وأزواغ “وعد”، والكاتب الأول صفّق، فيما بقيت المبادئ السياسية معلّقة في الهواء مثل شعارات المؤتمر.
اليوم، يحق للاتحاديين التساؤل: هل ما جرى في جرسيف يُبشّر فعلاً بمرحلة تجديد حزبي؟ أم أننا أمام إعادة إنتاج لمنطق “بايعني نبايعك” في نسخة 2025؟
والسؤال الأهم: هل يملك سليمان أزواغ ما يكفي من التوازن للرقص على الحبل الذي شدّه أبركان بيده، أم أنه سيقع في أول اختبار حين ينقطع الخيط الرفيع بين الولاء والانبطاح؟ وحدها الانتخابات القادمة ستكشف إنْ كان هذا التلميذ السياسي قد تعلّم من أستاذه فنون اللعبة… أم مجرد أداها بتكرار رديء.
وفي انتظار الجواب، يبدو أن الاتحاد الاشتراكي لا يزال “مستمرًّا”… لكن إلى أين؟ فذاك ما لا يعرفه حتى أكثر القادة “قِيادة”.
21/06/2025