في واقعة مثيرة للقلق، أعلنت السلطات الصحية البريطانية عن تسجيل أكثر من 28 حالة تسمم سجقي خطير بعد خضوع الضحايا لحقن تجميلية باستخدام مادة البوتوكس في شمال شرق إنجلترا. هذا التسمم، الناجم عن مادة سامة تنتجها بكتيريا Clostridium botulinum، يُعد من أكثر أنواع التسمم خطورة، وقد يؤدي إلى شلل في الجهاز العصبي أو الوفاة إن لم يتم التدخل العلاجي بسرعة.
التحقيقات كشفت عن استخدام منتجات تُشبه البوتوكس تم تسويقها أو حقنها من قِبل ممارسين غير مرخصين، وسط انتشار غير قانوني لمنتجات “بوتوكسية” مقلدة تُباع في السوق السوداء. وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات البريطانية لتطويق الكارثة، تبقى الأسئلة الحارقة: هل المغرب في مأمن من هذا التهديد؟ أم أن الصمت يُخفي واقعًا أكثر خطورة؟
في المغرب، لا تزال مراكز التجميل تتكاثر بوتيرة متسارعة، بعضها يفتقر إلى شروط السلامة الطبية، بل إن هناك حالات يتم فيها حقن البوتوكس أو مواد مشابهة في صالونات التجميل أو على يد أشخاص غير مختصين. والغريب أن بعض هؤلاء “الممارسين” يُسوّقون خدماتهم عبر إنستغرام أو تيك توك، دون أي رقابة فعلية من الهيئات الصحية أو الصيدلانية.
في تحقيقات سابقة لوسائل إعلام مغربية، تبيّن وجود منتجات تجميلية، بينها “بوتوكس” مجهول المصدر، تُباع عبر الإنترنيت أو تُهرّب من الخارج، وغالبًا ما تحمل تسميات تجارية زائفة أو “مستوردة من تركيا” دون أي إثبات أو ترخيص من وزارة الصحة.
ووفق شهادات لمواطنات خضعن لهذه “الحقن العشوائية”، فقد ظهرت عليهن أعراض مثل تدلّي الجفون، اختلال في النظر، صعوبة في النطق أو البلع، بل إن هناك حالات تم نقلها إلى المستعجلات دون أن يصرّح بها رسميًا، مما يُبقي الوضع في دائرة التعتيم.
في ظل غياب قاعدة بيانات وطنية حول الآثار الجانبية للتجميل غير الطبي، وغياب قانون صارم يُجرّم “الحقن بدون ترخيص طبي”، يظلّ المواطن المغربي عرضةً للخطر. كما لا يُشترط اليوم وجود طبيب مختص داخل بعض مراكز التجميل أو الصالونات، ويكفي فقط أن يمتلك الممارس “شهادة تكوين” قصيرة ليبدأ في حقن المواد داخل أوجه الزبائن.
وهنا يُطرح سؤال محوري: لماذا لا تُفعّل وزارة الصحة المغربية نظام إنذار مشابه لنظام “البطاقة الصفراء” في بريطانيا؟ هذا النظام يُمكّن المواطنين من الإبلاغ الفوري عن أعراضهم بعد تناول دواء أو تلقي علاج معين، بما في ذلك الحقن التجميلية.
حالة بريطانيا هي جرس إنذار دولي، وعلى السلطات الصحية المغربية التحرك العاجل من خلال:
-فرض ترخيص رسمي ومعتمد لبيع أو استخدام منتجات البوتوكس.
-مراقبة عمليات التهريب والبيع عبر الإنترنت.
-ملاحقة صالونات التجميل التي تمارس الطب التجميلي خارج القانون.
-إطلاق حملة وطنية توعوية لتثقيف المواطنين، لا سيما النساء، حول خطورة التجميل غير الآمن.
-إدراج مواد التجميل والحقن ضمن لائحة الأدوية الخاضعة للرقابة الدقيقة.
في عالم يحكمه هوس الجمال السريع و”الترندات” الرقمية، قد يغدو البوتوكس وسيلةً للخداع أكثر منه للتجميل. والمغرب، كغيره من الدول، مهدّد بنفس المصير ما لم تُرفع درجة التأهب الصحي، وتُفرض الرقابة على المواد والمسالك والممارسين.
فهل ننتظر أن يتحوّل “حقن التجميل” إلى “حقن قاتلة” قبل أن نتحرّك؟ أم سنكتفي بلعب دور المتفرّج إلى أن يصبح وجه الضحية عنوانًا جديدًا لخبر مأساوي؟
21/06/2025