kawalisrif@hotmail.com

في مطعم مغربي … ولية عهد إسبانيا تتناول الطاجين والكسكس والبصطيلة خلال حلولها بسبتة

في مطعم مغربي … ولية عهد إسبانيا تتناول الطاجين والكسكس والبصطيلة خلال حلولها بسبتة

في استراحةٍ خاطفةٍ من «عرضِ السبتِ اللِّخيونيّ» بسبتة ، رأت وريثةُ العرشِ الإسباني أن تُريحَ معدتها من دويّ الطبول وصليلِ الحراب، فاختارت طاجينًا، وبسطيلةً، وكُسكسًا في مطعمٍ عائليٍّ مغربي يُدعى «الواحة» يطلّ على ثغرِ سبتة المحتلّ. وكما يليقُ بكرمٍ ملكيٍّ مختومٍ بخاتمِ الفيلق، احتكرت سموُّها مائدةً ذاتَ ثمانيةِ كراسٍ، أحاطت بها ثلاثُ «طاولاتِ حماية» تُشبهُ سُورًا دفاعيًّا مُصغّرًا، خشيةَ أن يختطفَ أحدُ الفضوليّين مكعّبَ جزرٍ من الطبقِ الملكيّ.

ولأنّ الاسمَ لا يخلو من مفارقةٍ سياسيّةٍ فاقعة، بدا «الواحةُ» واحةً من النكهاتِ المغربيّة وسط صحراءِ سيادةٍ إسبانيّةٍ مُتخيَّلة. فالاحتلالُ يمدّ رماله خارجَ التاريخ، بينما تقدّم «الواحة» ظلًّا مغربيًّا ونَفَسًا بالنعناع تحت علمٍ غيرِ مغربيّ. هكذا امتزج عطرُ الكمّون بصليلِ النياشين، وكأنّ المطعمَ نفسَه يذكّر الضيوفَ – بلا خجل – بأنّ أجملَ ما في «الإمبراطوريّة» اقتبسَتْه أو استولت عليه من مائدةِ الآخرين.

جرى كلّ شيءٍ في صمتٍ بروتوكوليٍّ محكم: لا إعلام، لا صورُ سيلفي، فقط حافلةُ حراسةٍ تُنزلُ الأميرة إلى المطعم كأنّها تخبّئ وصفةً سرّيّةً يحرّم إفلات رائحةِ الزنجبيل منها إلى الشارع. غير أنّ أشدَّ البروتوكولات صرامةً عجزَت عن منعِ الروّاد من رفع حواجبهم حين اقتيد قِدْرُ الكُسكسِ إلى الطاولة محروسًا بستراتٍ واقية، وكأنّه مخطوطةٌ عسكريّةٌ عاليةُ السريّة.

على المائدةِ، اختارت سموُّها أطباقًا مغربيّةً خالصة: طاجينًا يقطرُ بالزعفران، بسطيلةً مرصّعةً باللوز والقرفة، وكُسكسًا مهيبًا بالخضَر. وكأنّ لسانَ حالها يهمس: «إذا لم نفلحْ في إقناعِ التاريخِ بأنّ سبتةَ إسبانيّةٌ صِرف، فلنطعمه ما لذّ وطاب من مطبخِ المغرب!».

أمّا مسكُ الختام – غريبةً أو شايًا بالنعناع – فظلّ سرًّا قوميًّا؛ إذ يبدو أنّ عدّ ملاعقِ السكّر يدخل ضمن أسرارِ الدفاع مثل مواقعِ الغوّاصات.

تأتي هذه الوليمةُ وسط حملةِ تلميعٍ صاخبةٍ للتاجِ داخل الثغرين المحتلّين: من العروضِ العسكريّةِ إلى «سُفنِ الاستردادِ التاريخيّ»، ثم إلى أشهى قِدرِ كسكسٍ في «الواحة». فربّما أقنع الكسكسُ من استعصتْ عليه المدافع، وأراح الطاجينُ ما عجَزت عنه المانيفستات.

ومن يدري؟ لعلّنا نطالعُ غدًا نصَّ «اتّفاقِ الطاجين» بدل «اتّفاقاتِ تطوان»، تُسطَّرُ في ديباجته العبارةُ التالية: «كلُّ أرضٍ تذوقُ صلصةَ الزبيبِ والقرفة تُصبحُ تلقائيًّا ولايةً تُضافُ إلى التاجِ الإسبانيّ». فإذا كان الكسكسُ كفيلًا بضمِّ المدن، فلنُرسلْ قافلةَ القدورِ من طنجة إلى شنغهاي، ولتبسط الإمبراطوريّةُ مائدتَها على جغرافيا العالَم… فربّما يشبعُ التاريخُ أخيرًا، ولو بفتاتٍ معطَّرٍ بالكمّون !

22/06/2025

Related Posts