عادت الأنظار لتتجه صوب محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تتواصل جلسات التحقيق في ملف الوزير السابق ورئيس جماعة الفقيه بن صالح، محمد مبديع، القابع احتياطيًا خلف أسوار سجن عكاشة، في واحدة من أكثر قضايا المال العام إثارة للجدل.
جلسة اليوم الثلاثاء لم تخلُ من مفاجآت، حيث استمعت هيئة المحكمة لإفادات المقاول المعتقل “إبراهيم.ه”، الموقوف بالسجن المحلي عين السبع، والذي فجّر خلال كلمته معطيات تقنية دقيقة حول صفقات عمومية شابتها شبهات اختلال مالي، نافياً بشكل قاطع الاتهامات الموجهة إليه باختلاس أموال عامة.
في معرض دفاعه، شدد المتهم على أن الصفقتين رقم 8 و9 لعام 2016 تمت وفق معايير دقيقة، وأن الأشغال المنجزة مرت بمراحل معقدة وسط ظروف شاقة، أبرزها ضيق الأزقة، ما استدعى استخدام معدات ضخمة وتحمّل تكاليف إضافية باهظة من طرف شركته.
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أكد المقاول أن الكميات الناتجة عن الحفر كانت مطابقة تمامًا لما تم استخراجه، مضيفًا أن أي زيادة سُجلت لم تكن سوى نتيجة طبيعية لسير الأشغال، لا علاقة لها بتوجيه من الجماعة أو تلاعب في المعطيات. وأوضح أن الأسعار المدرجة لها طابع تقني يعكس واقع الأشغال، مستدلًا بدفتر الشروط الذي يفرض التقيد الحرفي بأوامر صاحب المشروع.
وفي دفاعه عن التكلفة، أشار المتهم إلى الطبيعة الجغرافية لمدينة الفقيه بن صالح، قائلاً إن التربة الصخرية الصلبة بالمنطقة تطلبت معدات متخصصة وجهوداً مضاعفة، ما زاد من كلفة التنفيذ خاصة في النقاط ذات الولوجية المحدودة. أما تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية الذي أشار إلى اختلالات، فقد علّق عليه المتهم بنبرة حازمة: “احترمنا القوانين، ولم نخالف بنود دفتر التحملات”.
كما فاجأ المحكمة بكشفه أن شهادة الضمان المطلوبة قُدمت قبل يوم من فتح الأظرفة، مؤكدًا أن ذلك لا يُعد خرقًا قانونيًا.
وعن اختلاف الأسعار في كشوف الحسابات، أرجع السبب إلى تعديل مواقع الأشغال في الميدان، أما البند رقم 507 – حسب قوله – فقد حدد بوضوح أن بدء الحفر لا يتم إلا بعد تركيب القنوات، مما يجعل أي زيادات في الكميات ناتجة عن الطول الفعلي لهذه القنوات.
وأكد المقاول أن شركته التزمت التزامًا صارمًا بالمعايير الفنية والقانونية، مشيرًا إلى أن غرف التفتيش لم تتعدَّ مترين ونصف طولًا وعرضًا، وثلاثة أمتار عمقًا، وتم تنفيذ الأشغال وفقًا للمواصفات المطلوبة.
كما برر توقف الأشغال المؤقت في بعض الفترات بتأخر تأشيرات الخزينة، مؤكدًا أن الزيادة المسجلة لم تتجاوز 1% من قيمة الصفقة، ما يعني عدم الحاجة إلى توقيع ملحق إضافي.
في رد على ما أثير بشأن علاقته بمكتب الدراسات المثير للجدل، نفى أي صلة، مؤكدًا أن العلاقة كانت مباشرة مع صاحب المشروع، دون أي وسيط أو جهة خارجية.
أما عن موعد تسليم الأشغال، فقد أجاب بثقة أن كل شيء تم ضمن الآجال القانونية، رغم التوقفات الطارئة، مشيرًا إلى أن مبلغ الزيادة المعتمد لم يتجاوز 167 ألف درهم، أي أقل من 1% من القيمة الإجمالية.
وعندما سأله القاضي عن وجود ملحق للصفقة، أجاب المتهم: “لم يكن هناك ما يستدعيه، فالزيادة لم تتجاوز الحد القانوني المحدد في 10%، وتم تنفيذها بقرار قانوني من رئيس الجماعة”.
بدوره، استفسر الوكيل العام عن ضرورة تقديم عينات قبل بدء التنفيذ، ليؤكد المتهم أن الأمر يبقى من صلاحيات صاحب المشروع، ولم يتم طلب أي عينة في هذه الصفقة.
أما السؤال الأبرز، فقد تمحور حول ما إذا كانت هناك أشغال مضمّنة بالكشف رقم 3 ولم تُنجز فعليًا، ليؤكد المقاول بحزم: “كل ما نُصّ عليه في الصفقة تم تنفيذه على أرض الواقع، وتقرير المفتشية العامة يثبت ذلك”.
في ختام الجلسة، قررت المحكمة تأجيل النظر في الملف إلى الثلاثاء المقبل، لاستكمال الاستماع إلى باقي المتهمين، في انتظار كشف المزيد من الحقائق في هذا الملف الذي هزّ مدينة الفقيه بن صالح، وفتح الباب أمام مساءلة تدبير المال العام.
24/06/2025