في واقعة تهزّ الضمير الإنساني وتعيد طرح علامات الاستفهام حول أوضاع القاصرين المغاربة بمراكز الإيواء في سبتة المحتلة، أصدرت المحكمة الجنائية الابتدائية رقم 2 حُكمًا بالسجن سنتين في حق شخص إسباني يُدعى “I.C.O”، على خلفية تورّطه في اعتداء مسلّح بكائن حي – كلب من نوع “مالينوا” – ضد أطفال مغاربة، بهدف سلبهم ممتلكاتهم تحت التهديد والعضّ.
تفاصيل الجريمة تعود إلى مساء 29 يوليوز 2024، حين أقدم الجاني، بمشاركة آخرين، على استخدام كلب شرس لترهيب أطفال مغاربة قاصرين من مركز “لا إسبيرانثا” الواقع بمنطقة “لوما كولمينار”، أحدهم تعرّض فعليًا لعضّة من الكلب، في مشهد يصعب تخيّله حتى في أفلام الرعب.
ورغم أن القضية تمسّ فئة ضعيفة تخضع لحماية الدولة – هم قاصرون غير مرافقين – فإن الحكم بدا متسامحًا إلى حد الصدمة: سنتان سجناً غير قابلة للتعليق نظرًا لسوابق المتهم، إضافة إلى غرامة رمزية مدتها شهر بقيمة 5 يورو يوميًا، وتعويضات مالية للضحايا لا تتجاوز بضع مئات من اليوروهات.
التحقيقات التي قادتها الشرطة الوطنية الإسبانية كشفت سلسلة من السرقات الممنهجة استهدفت ثلاثة أحداث مغاربة في مناطق مختلفة من سبتة، جميعهم تحت وصاية المدينة، وجميعهم تمّ تعقّبهم وسرقتهم باستخدام الأسلوب ذاته: الترهيب عن طريق الكلب، والسرقة بالإكراه.
أحد هؤلاء الضحايا تعرّض لهجوم من شخصين بالغين في شارع “فيلاردي”، حيث أجبروه على تسليم هاتفه ومبلغ زهيد من المال، في حين تعرّض آخرون للهجوم في نفس اليوم بمنطقة “لوما كولمينار” من طرف المجموعة ذاتها.
فرقة “UDEV” التابعة للشرطة الإسبانية تمكّنت بعد تقاطع المعطيات من تحديد هوية الجناة، وربط الوقائع ببعضها بسبب تطابق الأساليب والمواقع، غير أن طول أمد المحاكمة، وتخفيف الأحكام، طرح تساؤلات قانونية وأخلاقية حول جدّية الحماية القانونية لهؤلاء القاصرين.
وسبق أن أُدين شخص آخر من العصابة يُدعى “M.H” في أبريل الماضي بنفس التهم، إلا أن المحكمة خفّفت العقوبة في حقه وسمحت بتعليق تنفيذها مقابل تسديد التعويضات المدنية فقط.
رغم أن الأطفال المعنيين يخضعون لنظام الحماية والإيواء التابع للدولة، فإن ما تعرضوا له يُعد انتهاكًا صريحًا لكل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل، ويُجسّد شكلًا من العنف الرمزي والعنصري الذي يستهدف الفئات الهشة داخل المجتمع الأوروبي.
وهنا تبرز المفارقة المؤلمة: كيف يمكن التوفيق بين شعارات “الدولة الراعية” وواقع قاصرين يُهاجمون بكلاب، ثم يُواجهون مؤسسات عدلية تُصدر أحكامًا مخففة تكاد تشرعن الجريمة؟
في ظل هذا الصمت القضائي والإعلامي في الضفة الأخرى، لا يبقى للضحايا سوى الانتظار… انتظار تعويض رمزي لا يُغني عن الخوف الذي وُلد فيهم، ولا يُداوي جرحًا عضّته أنياب كلب بتحريض بشري. وبينما تتشدق أوروبا بخطابات “حقوق الطفل” و”صون الكرامة الإنسانية”، تبقى مأساة قاصري “لا إسبيرانثا” جرحًا مفتوحًا لا تحجبه أوراق المحاضر ولا يبرّره منطق المحاكم.
فهل نحن أمام واقعة جنائية منعزلة، أم أمام ظاهرة تُختزل في مشهد: قاصر مغربي يُلاحَق بكلب… ويُنصفه قاضٍ بتأنٍ بارد؟
27/06/2025