kawalisrif@hotmail.com

خريطة الرعب في دهاليز الأمن الإسباني: موتٌ صامت وإحصائيات تُدوّي!

خريطة الرعب في دهاليز الأمن الإسباني: موتٌ صامت وإحصائيات تُدوّي!

في عمق مراكز الشرطة الإسبانية، حيث يُفترض أن تُحترم الكرامة الإنسانية وتُحمى الأرواح، تكشف الأرقام عن واقع مروّع ظل لسنوات طي الصمت. التقرير السنوي للآلية الوطنية لمنع التعذيب (MNP) أماط اللثام عن “خريطة رعب” حقيقية لعام 2023: 16 حالة وفاة غامضة، 460 محاولة انتحار، وأكثر من 1600 حالة إيذاء ذاتي.

ما يزيد الصدمة هو أن هذه الأرقام لا تأتي من مناطق نزاع أو سجون سرية، بل من داخل مراكز احتجاز الدولة نفسها. الوفيات الـ16 لم تكن حوادث عابرة، بل موزعة بوضوح بين الأجهزة الأمنية: 9 حالات في مراكز الحرس المدني، 4 في الشرطة الوطنية، و3 في شرطة كاتالونيا (موسوس دي إسكودرا). ومع ذلك، يبقى الغموض سيّد الموقف: لا تقارير توضيحية، لا أسباب رسمية، ولا حتى مساءلة أو تحقيقات جادة.

لم يتوقف الأمر عند حالات الوفاة، بل شهدت محاولات الانتحار قفزة غير مسبوقة. بحسب التقرير، تم تسجيل 231 محاولة انتحار في الشرطة الوطنية، 105 في الموسوس، 61 في الحرس المدني، و33 في شرطة إرتزاينتزا، إضافة إلى 30 محاولة في مراكز الشرطة المحلية.
أما حالات إيذاء النفس، فقد بلغت 1604 حالة، بزيادة 400 عن العام السابق، ما يعكس تصاعد أزمة نفسية خطيرة داخل هذه المؤسسات.

الناشط الحقوقي خورخي ديل كيورا، أحد أبرز المتابعين لملف التعذيب في إسبانيا، دق ناقوس الخطر، قائلاً: “البيانات الرسمية تفتقر إلى الشفافية… لا نعرف مكان وقوع الحوادث، ولا ظروفها، ولا ما إذا كانت ناجمة عن عنف داخلي أو ممارسات من طرف الموظفين.”

هذا الغموض في المعلومات يعمّق القلق، ويغذي الشكوك بشأن مسؤولية الأجهزة الأمنية ومدى التزامها بحقوق المحتجزين.

الصورة تزداد قتامة عندما ننتقل إلى أوضاع المهاجرين المحتجزين والقاصرين في مراكز الأحداث. فالتقرير يوثّق:

في مراكز احتجاز الأجانب (CIE): 77 اعتداءً، 37 حالة إيذاء للنفس، و9 محاولات انتحار. أما في مراكز القاصرين:
973 حالة اعتداء جسدي، 750 حالة إيذاء ذاتي، و82 محاولة انتحار، بالإضافة إلى 75 شكوى مسجلة.

والأكثر إثارة للذعر، ما كشفه ديل كيورا: معدل إيذاء النفس في مراكز الأحداث يفوق مراكز الشرطة بـ69 مرة، والانتحار بـ13.6 مرة!

في مواجهة هذه الأرقام المروعة، جاءت استجابة وزارة الداخلية الإسبانية باهتة، مقتصرة على إعلان نية “إعداد مؤشرات للتنبؤ بالسلوك الانتحاري”، بينما يسجل التقرير نفسه غياب بروتوكولات الوقاية في مؤسسات أمنية كاملة، خصوصاً في شرطة نافارا.

ما بين الإهمال المؤسسي والتقارير الغامضة، تتحول زنازين الدولة إلى ساحات صراع نفسي عنيف. الضحايا يسقطون تباعًا، لا تُدوّن أسماؤهم، ولا تُفتح ملفاتهم. المساءلة تغيب، والحق في الحياة يُنتهك في صمت قاتل.

 

30/06/2025

Related Posts