في صفعة سياسية واقتصادية مدوية، فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقًا رسميًا ضد الحكومة الإسبانية بسبب ما وصفته بـ”النظام الضريبي التمييزي” الذي يستهدف الأجانب غير المقيمين من مالكي العقارات في البلاد. قرار بروكسل يكشف عن تصدع في التزامات مدريد بمبادئ السوق الأوروبية الموحدة، ويضع إسبانيا على مسار مواجهة قانونية قد تكون مكلفة سياسيًا واقتصاديًا.
تفرض السلطات الإسبانية ضريبة على ما تسميه “دخلًا افتراضيًا” بنسبة 2% من القيمة الكاداسترالية للعقارات التي يملكها أجانب غير مقيمين ولا يستخدمونها كمساكن رئيسية. هذا الإجراء لا يُطبق على المقيمين الإسبان إلا في ظروف استثنائية، ما يجعل النظام، بنظر المفوضية الأوروبية، مخالفًا صريحًا لمبدأ المساواة وحرية تنقل رؤوس الأموال والعمال داخل الاتحاد الأوروبي.
بروكسل لم تتردد في وصف هذا النظام بالتمييزي، محذّرة من أنه قد يردع المستثمرين الأوروبيين من التوجه إلى إسبانيا أو الإقامة المؤقتة فيها، ما يشكل خرقًا فاضحًا للمادتين 45 و63 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي.
أمام الحكومة الإسبانية مهلة لا تتعدى شهرين لتبرير هذه السياسة أو تعديلها. وإذا ما واصلت تعنتها، فإن الملف سيتجه نحو محكمة العدل الأوروبية، وهو سيناريو بات أكثر من محتمل في ظل تجاهل مدريد لتحذيرات سابقة.
التحقيق الأوروبي يأتي في لحظة حساسة سياسيًا، إذ يناقش الحزب الاشتراكي الحاكم خطة مثيرة للجدل لرفع الضرائب على العقارات الثانوية وغير المستخدمة، مبررًا ذلك بمكافحة المضاربة العقارية وزيادة المعروض السكني. غير أن توقيت هذا التوجه يجعل كثيرين يشككون في دوافعه، ويرون فيه وسيلة مكشوفة لضرب الاستثمار الأجنبي وفرض وصاية على الملكية الخاصة.
بينما تواصل مدريد الترويج لصورتها كوجهة آمنة وجذابة للاستثمار العقاري الأوروبي، تكشف الوقائع عن وجه آخر: دولة تتفنن في سنّ ضرائب مشبوهة تخالف التزاماتها داخل المنظومة الأوروبية، وتغامر بمكانتها القانونية والاقتصادية تحت قناع “السيادة المالية”.
أما المفارقة الكبرى؟ فهي أن الحكومة الإسبانية، التي اعتادت التشدق بمبادئ العدالة والمساواة داخل الاتحاد، تبدو اليوم وكأنها تعزف منفردة في أوركسترا أوروبية لا تعترف بالنشاز الضريبي. فربما آن الأوان لإسبانيا أن تفتتح وزارة جديدة تحت اسم “التأويل المبتكر للمعاهدات الأوروبية”… أو على الأقل دورة تكوينية عاجلة في “كيفية التمييز دون أن تثير غضب بروكسل!”
01/07/2025