في مؤشر ينذر بالخطر، دقّت الشرطة الوطنية الإسبانية والحرس المدني ناقوس الخطر بشأن تصاعد غير مسبوق في عدد القُصّر المتورطين في قضايا الإرهاب الجهادي، ما يعكس تحولًا مقلقًا في خريطة التطرف داخل البلاد. فحتى منتصف العام الجاري، تم توقيف أكثر من 74 قاصرًا، في رقم مرشّح لتجاوز حصيلة عام 2024، التي استقرت عند 81 موقوفًا، وفق معطيات أمنية رسمية.
العقيد أوليفر بيريث من وحدة مكافحة الإرهاب بالحرس المدني وصف الوضع بـ”الانفلات الخطير”، موضحًا أن بعض الموقوفين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، أي دون السن القانوني للمساءلة الجنائية. وأضاف بلهجة حازمة: “نواجه جيلاً جديدًا من المتطرفين غير المرئيين… أطفال تحوّلوا إلى قنابل أيديولوجية موقوتة، يصعب ملاحقتهم قانونيًا أو احتواؤهم اجتماعيًا.”
وفي السياق ذاته، كشف المفوض خيسوس مانويل بريتو من شرطة المعلومات الوطنية، عن تضاعف حالات التطرّف بين القاصرين منذ جائحة كورونا، حيث ارتفعت من 6 حالات سنويًا إلى أكثر من 20 حالة، ما يؤشر إلى تسارع مقلق في وتيرة التجنيد والاستقطاب.
واللافت أن غالبية هؤلاء القاصرين تم رصد تطرفهم داخل بيئات أسرية طبيعية، بل أحيانًا داخل أسر ميسورة ومندمجة في المجتمع، ما ينسف الصورة النمطية عن “الجهادي المنعزل والمهمّش”. وقال أحد المحققين: “الآباء غالبًا آخر من يعلم… الفضاء الرقمي أصبح المسجد الجديد للغلاة”.
الخبراء الأمنيون المشاركون في منتدى ضحايا الإرهاب أجمعوا على غياب “الملف النمطي” للجهادي القاصر، لكنهم شددوا على عنصر مشترك يتكرّر في جميع الحالات: الاستقطاب الإلكتروني، عبر منصات التواصل، وغرف الدردشة المشفرة، ومقاطع الفيديو الدعائية.
وبرز خلال اللقاء تهديد تنظيم “داعش-خراسان”, الذي وصفه المسؤولون بأنه “الأكثر قدرة على التخطيط لعمليات داخل أوروبا”، رغم غيابه شبه الكامل عن تغطيات الإعلام التقليدي، وهو ما يعقّد من مهمة تعقّبه والتصدي له.
من النقاط التي أثارت جدلاً حادًا في المنتدى، مسألة فشل منظومة إعادة تأهيل الجهاديين داخل السجون الإسبانية. إذ قال المفوض بريتو بصراحة لافتة: “من يدخل السجن لا يخرج أقل تطرفًا… بل في الغالب يعود أكثر عنفًا وتشبّعًا بالأفكار المتطرفة.”
تحليل أمني أشار إلى أن غياب برامج فعّالة لإعادة الإدماج، ووجود شبكات تجنيد نشطة داخل الزنازين، يفرغان مفهوم “الإصلاح العقابي” من محتواه.
رغم الإشادة الأوروبية بالفوائد الاقتصادية والاجتماعية لاتفاقية “شنغن”، فإن المشاركين في المنتدى لم يترددوا في وصف نظام الحدود المفتوحة بأنه “ثغرة أمنية مزمنة”، خصوصًا في ظل فوضى الهجرة غير النظامية، وصعوبة تتبع العناصر المتشددة العائدة من بؤر النزاع.
وفي ختام المنتدى، سلّطت أجهزة الشرطة في إقليمي كتالونيا والباسك الضوء على جبهة جديدة من المعركة ضد الإرهاب: التمويل الرقمي. حيث أكد خبراء أن تنظيمات متطرفة باتت تعتمد بشكل متزايد على العملات المشفرة في تمويل عملياتها، مستغلّة طبيعة هذه العملات التي تتيح التحايل على التتبع البنكي والتشريعات التقليدية.
ووفق تقرير أمني، فإن “الجهاد الافتراضي” لم يعد يقتصر على التجنيد أو الدعاية، بل تطوّر ليشمل إنشاء محافظ مشفرة، وغسل الأموال عبر منصات تداول عالمية، ما يجعل من مكافحة هذه الأنشطة تحديًا تكنولوجيًا وتشريعيًا يتجاوز حدود إسبانيا.
الطفل الذي كان يُفترض أن يكون تلميذًا أو رياضيًا أو فنانًا، بات اليوم هدفًا لآلة أيديولوجية متطرفة لا تعرف الرحمة. بينما تتسابق الأجهزة الأمنية مع الزمن، تبقى الحاجة مُلحّة لإستراتيجية وطنية شاملة، تبدأ من المدرسة والأسرة، وتمرّ عبر القانون والعدالة، لتصل إلى العالم الرقمي حيث يُصاغ مستقبل الأجيال الجديدة… إما بالعلم أو بالكراهية.
01/07/2025