تتواصل بمنطقة الصويرة أعمال تنقيب أثري دقيقة تشرف عليها نخبة من الباحثين المغاربة والدوليين، بقيادة عبد الجليل بوزوكار، أستاذ المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وبتنسيق مع جامعات مرموقة مثل أريزونا وهارفارد وأيكس مارسيليا. وتهدف هذه التنقيبات، التي بلغت موسمها الرابع، إلى توسيع المعرفة بتاريخ الإنسان العاقل القديم، وتتبع التحولات المناخية التي شهدتها المنطقة. وتمكنت هذه الجهود من تحديد موقع مغارة “جرف الحمام” كأحد أهم المواقع التي توثق لعصور ما قبل التاريخ، حيث أُنجزت أطاريح ماستر ودكتوراه بمساهمة باحثين مغاربة وأمريكيين، تحمل معطيات جديدة ومثيرة في هذا المجال.
المعطيات الأولية المستخرجة من المغارة شملت أدوات حجرية متقنة، وعظام حيوانات منقرضة كالغزلان والخيليات والضباع، فضلاً عن بقايا قوارض صغيرة نادرة تنتمي إلى بيئة صحراوية، وهو ما يعكس تواصلًا جغرافيًا ومناخيًا بين المغرب والعمق الإفريقي. وأوضحت نتائج الدراسات أن المنطقة كانت، قبل آلاف السنين، أشبه بجسر بيئي وثقافي يربط الشمال الإفريقي بجنوب الصحراء الكبرى، التي لم تكن قاحلة في العصور الماضية، بل عرفت تساقطات استوائية امتدت نحو الشمال قبل حوالي 8000 سنة، مما أفرز تغيرات مناخية كبرى في مناطق مثل طاطا وزاكورة.
وتمكّن علماء الآثار من الوصول إلى طبقات أرضية يعود عمرها إلى أكثر من مائة ألف سنة، مما يفتح المجال أمام اكتشافات أعمق قد تضاهي تلك المسجلة في مغارة “بيزمون”، التي تجاوزت فيها الأبحاث عتبة 150 ألف سنة. ويأمل الفريق البحثي في تجاوز المواقع التقليدية المعروفة، كالريف الشرقي والغربي وتافوغالت، نحو فضاءات جديدة تحتفظ بأرشيف مناخي وبشري غني، يسهم في فهم بدايات الإنسان العاقل وتطوراته، ويوفر معلومات حاسمة حول التغيرات المناخية التي أثرت في الحركة البيئية والأنثروبولوجية بين حوض البحر الأبيض المتوسط والفضاء الصحراوي الأطلسي.
04/07/2025