kawalisrif@hotmail.com

التجارة “المضبوطة” بين سبتة والمغرب :  42 عملية خلال خمسة أشهر… والرمال تهيمن على المشهد

التجارة “المضبوطة” بين سبتة والمغرب : 42 عملية خلال خمسة أشهر… والرمال تهيمن على المشهد

منذ إعادة فتح الجمارك التجارية بين سبتة المحتلة والمغرب بتاريخ 11 فبراير 2025، لم تُسجَّل سوى 42 عملية تجارية، توزعت بين 39 عملية استيراد، أغلبها لمواد البناء وفي مقدمتها الرمال والحصى، مقابل عملية تصدير يتيمة لقطع غيار السيارات. أرقام تعكس خللًا في الميزان التجاري واتجاهاً واحدًا في المبادلات: من المغرب إلى سبتة، دون مقابل واضح أو جدوى اقتصادية للمصدر المغربي.

العبور الأول، رغم استغراقه نحو خمس ساعات، اعتُبر إنجازًا لوجستيًا “تاريخيًا” من الجانب الإسباني، إيذانًا ببدء تشغيل الجمارك التجارية. غير أن حصيلة خمسة أشهر تكشف عن حركة تجارية محتشمة، لم ترقَ إلى مستوى الخطابات الرسمية حول الانفتاح والتعاون الحدودي.

بحسب معطيات مندوبية الحكومة الإسبانية، تظلّ الرمال المغربية السلعة الأكثر تداولًا وربحًا في هذا المسار التجاري. إذ تعتمد شركات البناء في سبتة على الرمال القادمة من المغرب كخيار اقتصادي منخفض التكلفة، ما يفسر الانتظام اليومي لدخول الشاحنات المحمّلة بكميات تصل إلى 50 طنًا لكل صفقة. وتشير التقديرات إلى أن هذه المادة تمثل أكثر من 90% من مجمل المبادلات.

العملية تتم بسلاسة لافتة وبتنسيق مباشر بين المصدرين والمستوردين، دون عراقيل إدارية تُذكر، مما يعكس تحفيزًا واضحًا من الجانب الإسباني لهذه التجارة، في مقابل صمت مغربي لافت حول شروط الاستغلال البيئي والاقتصادي لهذه الثروة الطبيعية.

في المقابل، باءت محاولات إدخال المنتجات الغذائية الطازجة، خاصة الأسماك، بالفشل. فبعد تجربتين محدودتين، إحداهما بشحنة رمزية من سمك “الراپي” والأخرى بوزن 300 كيلوغرام، توقف المشروع بالكامل. ويعزو المهنيون ذلك إلى ارتفاع التكاليف، غياب وسائل النقل المبردة، وعدم ضمان جودة المنتج، إضافة إلى غياب الدعم اللوجستي الكفيل بجعل العملية مربحة.

ولم يكن الوضع أفضل بالنسبة للفواكه والخضروات، التي عبرت إلى سبتة من خلال معبر مليلية فقط، بينما ظل معبر تاراخال مغلقًا أمامها، ما يطرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير في إدارة المعابر المغربية المحتلة، ويعكس تحكمًا انتقائيًا في نوعية السلع المسموح بها.

في ظل هذا الواقع، لم تسجَّل سوى عملية تصدير واحدة من سبتة إلى المغرب شملت منتجات تخص قطع غيار السيارات. أما محاولتا تصدير مواد تنظيف، فقد رُفضتا من الجانب المغربي، دون صدور أي توضيح رسمي.

وتؤكد مندوبية الحكومة الإسبانية أن المسؤولية تقع على عاتق رجال الأعمال في سبتة، معتبرة أن الإدارة المركزية لا تتدخل إلا عند وقوع إشكالات تقنية، مما يعكس تفويضًا كاملاً للقطاع الخاص في إدارة هذا المعبر التجاري، على حساب المقاربة السيادية أو التنموية.

في آخر لقاء رسمي بين غرفة التجارة واتحاد أرباب العمل بسبتة، تم الاتفاق على إعداد تقرير حول الشركات المؤهلة للاستفادة من رموز التعريفة الجمركية، مع اقتراح توسيع هذه الرموز مستقبلًا. لكن التنفيذ ظل بطيئًا، في ظل غياب محفزات حقيقية أو إرادة سياسية واضحة لتوسيع النشاط التجاري بما يخدم مصالح الجانبين.

رغم تأكيد السلطات الإسبانية أن الجمارك تعمل بكامل طاقتها من الاثنين إلى الجمعة، وتُدار وفق آلية مماثلة للمرافئ الدولية، إلا أن الواقع يُظهر أن المبادلات تخدم مصالح سبتة أولًا وأخيرًا، دون أن يكون للفاعلين الاقتصاديين المغاربة أي دور فعّال في تحديد نوعية السلع أو توجيه أولويات الربط الاقتصادي.

من زاوية مغربية، يبدو أن هذه المبادلات التجارية تخفي واقعًا مختلاً وغير متوازن، حيث تُستنزف الموارد الطبيعية المغربية، وفي مقدمتها الرمال، دون مقابل تنموي ملموس أو حضور اقتصادي مؤثر للمنتج المغربي في الأسواق المقابلة.

إن استمرار هذا الوضع يُحتم إعادة تقييم طبيعة الاتفاقات المعتمدة، وضمان شراكة تجارية عادلة، تضمن حماية الثروات الوطنية، وتُحفز الاقتصاد المحلي بدل تغذية اقتصاد مدينة محتلة تسعى لاستدامة ارتباطها بالمغرب عبر قنوات استغلالية، لا تنموية.

05/07/2025

Related Posts