تجد الحسيمة، المدينة المغربية الساحرة، نفسها عالقة في دوامة لا تنتهي من الوعود السياحية البراقة التي تتبخر قبل أن ترى النور. فعلى الرغم من التصريحات الرنانة والخطط الطموحة التي تُعلن بين الحين والآخر، يبقى قطاع السياحة في المدينة في حالة جمود، وكأن التنمية الحقيقية تأبى أن تتحقق.
على مرّ السنين، تحولت الحسيمة إلى لوحة تُرسَم عليها مبادرات ضخمة تُقدّم تحت مسميات براقة مثل “مشاريع مهيكلة”، و”برامج متكاملة”، و”رؤى استراتيجية”. هذه الإعلانات، التي غالبًا ما ترافقها جلسات تصوير احتفالية وتغطية إعلامية مكثفة، ترسم صورة وردية لوجهة سياحية مزدهرة. لكن مع تعاقب الفصول، تتلاشى هذه المخططات المعقدة، مخلفةً وراءها صمتًا مطبقًا وشعورًا عميقًا بخيبة الأمل لدى السكان. لقد اعتادت المدينة هذا النمط، حيث يبدو أن التغيير الوحيد الملموس في كل موسم سياحي لا يتجاوز تجديد طلاء الأرصفة.
وتؤكد عدة أمثلة هذا التوجه المحبط. فكرة فندق تحت الماء قبالة شاطئ إيسلي، والجسر المعلق، والمنطقة السياحية الجديدة في كالا إيريس، لم تكن سوى رؤى لم تتحقق. وكذلك الخطط الاستراتيجية المتنوعة، مثل “مخطط تنمية السياحة”، و”برنامج مناطق الاستقبال السياحي”، و”اتفاقية تنمية السياحة القروية”، و”المخطط الأزرق”، و”مخطط بلادي”، جميعها وعدت بنمو تحولي لم يأتِ قط.
ويبرز مشروع “كالا إيريس” كنموذج صارخ لهذا الإحباط. فقد كشف عنه وزير السياحة السابق بحماسة، ووعد بتحويل الحسيمة إلى “أكادير المتوسط”، بمنتجعات فاخرة، وميناء ترفيهي حديث، ومراكز صحية متطورة، ومرافق غوص عالمية. وكان من المتوقع أن يمتد المشروع على مساحة شاسعة، وأن يستوعب آلاف الأسرّة، ويخلق آلاف فرص العمل المباشرة، بدعم من ميزانية ضخمة. ورغم هذه الرؤية الشاملة، أُلغي المشروع بشكل مفاجئ، دون تقديم أي تفسير رسمي، ليصبح مجرد “إعلان نية” باهت.
ولم يكن “مخطط بلادي”، الذي أُطلق عام 2007 لتنشيط السياحة الداخلية، بأفضل حال. كما أن مشروع “المركز السياحي الجهوي”، الذي سُربت تفاصيله عام 2008، تحدث عن أهداف طموحة جدًا لزيادة الإقامات الليلية، والوافدين، والقدرة الاستيعابية بمعدلات فلكية، لكنها بقيت مجرد أرقام لم ترَ النور.
حتى البرامج الأقل طموحًا لم تسلم من هذا المصير. “برنامج مناطق الاستقبال السياحي” (PAT)، الذي أُعلن عنه عام 2012، وعد بمسارات سياحية، وملاجئ للزوار، ومركز معلومات بحرية. وكانت النتيجة الملموسة الوحيدة مبنًى ظل مغلقًا لسنوات قبل أن يتحول، في رمشة عين، إلى مركز للشرطة. وكذلك “عقد البرنامج الجهوي للسياحة”، الموقع عام 2013، والذي تضمن عشرات المشاريع، بقي حبيس الأدراج.
في جوهر الأمر، باتت الحسيمة شاهدة على أن الأفعال أبلغ من الأقوال. فبينما تمتلك المدينة إمكانات سياحية هائلة، ورغم أن النوايا وراء هذه المشاريع الكبرى قد تكون صادقة، إلا أن فشلها المتكرر في تجاوز مرحلة التخطيط زرع شعورًا واسع النطاق بخيبة الأمل والأحلام غير المحققة لدى سكانها. الحسيمة ما تزال تنتظر، على أمل أن تتحول الوعود يومًا ما إلى واقع ملموس.