kawalisrif@hotmail.com

مليلية المحتلة خارج معادلة القاصرين :    استثناء “المدينة السليبة” يثير تساؤلات مغربية حول ازدواجية المعايير الإسبانية

مليلية المحتلة خارج معادلة القاصرين : استثناء “المدينة السليبة” يثير تساؤلات مغربية حول ازدواجية المعايير الإسبانية

في خطوة جديدة تعكس التناقضات المتجذرة في السياسة الإسبانية تجاه مليلية المحتلة، أعلنت الحكومة المركزية في مدريد استثناء المدينة من خطة إعادة توزيع ثلاثة آلاف قاصر غير مرافق بين الأقاليم الإسبانية، رغم ما تعانيه من ضغط مزمن بسبب موقعها الحدودي والخصائص الديمغرافية الخاصة بها. ووفق ما أكدته مصادر رسمية من وزارة الطفولة والشباب الإسبانية، فإن الأقاليم المستفيدة ستكون أساسًا الأندلس ومدريد وفالنسيا، بينما لن تستقبل مليلية أي قاصر، وستكتفي بتعويض مالي لا يتجاوز مليون يورو.

هذا القرار يعكس مرة أخرى حالة الارتباك السياسي والإداري التي تطبع علاقة مدريد بمليلية، والتي يُنظر إليها في الخطاب الرسمي الإسباني كـ”جزء لا يتجزأ من التراب الوطني”، لكن ما إن يتعلق الأمر بتوزيع الأعباء والمسؤوليات، حتى تُستثنى المدينة، وتُعامَل كـ”منطقة عبور” يجب تفريغها بدل تعزيزها. في هذا السياق، طالبت سلطات مليلية المحلية بما سمّته “الاحترام”، مؤكدة أن المدينة لا تملك القدرة على تحمّل المزيد، في ظل ما وصفته بـ”الضغط التاريخي الناتج عن موجات الهجرة المتواصلة”، باعتبارها “البوابة الجنوبية لإسبانيا والاتحاد الأوروبي”.

وبينما اختارت مدريد إقصاء مليلية من استقبال أي من القاصرين الذين سيتم نقلهم من جزر الكناري —والذين يُقدر عددهم بـ3975 طفلًا، مع احتمال استثناء 850 منهم لكونهم طالبي لجوء— فقد خصصت لها تعويضًا ماليًا بقيمة 993,300 يورو ضمن صندوق وُضع في إطار تعديل المادة 35 من قانون الأجانب الإسباني. هذا الرقم الهزيل، مقارنة بالأموال المرصودة لأقاليم أخرى، يعكس بدوره منطقًا تمييزيًا صارخًا، خاصة إذا ما قورن بما ستحصل عليه جزر الكناري (24.2 مليون يورو)، أو مدريد (15.8 مليون يورو)، أو حتى الأندلس (8.8 مليون يورو).

وإذا ما استعرضنا خريطة توزيع القاصرين، نجد أن الأندلس ستستقبل 677 طفلًا، تليها مدريد بـ647، ثم ڤالنسيا بـ571. وتتوزع بقية الأعداد على أقاليم أخرى بنسب متفاوتة، في حين لن تتحمل كتالونيا أو الباسك أي قاصر إضافي، رغم كونهما من أغنى الأقاليم، وهو ما يثير بدوره علامات استفهام حول مدى عدالة “آلية التوزيع” المعتمدة.

المفارقة تكمن في أن كتالونيا، ورغم إعفائها، أعلنت نيتها استقبال 31 طفلًا إضافيًا، وهو ما يجعلها في النهاية الإقليم الأكثر استضافة لهؤلاء الأطفال. لكن وعلى النقيض، تحصل كتالونيا على حصة هي الأدنى من الدعم المالي: 404,550 يورو فقط.

في الأفق القريب، ستعقد اللجنة القطاعية لوزارة الطفولة والشباب اجتماعًا حاسمًا في 8 يوليوز الجاري لمناقشة ترتيبات التنفيذ وضبط التوازنات بين الأقاليم. وتهدف الحكومة من خلال هذا النظام إلى “تصحيح الفجوات التاريخية” بين الأقاليم في ما يخص استقبال القاصرين، إلا أن المؤشرات الحالية توحي باستمرار منطق الازدواجية والتمييز.

هذا القرار يضع مجددًا المدينة المحتلة تحت المجهر، ليس فقط كقضية استعمارية معلقة، بل كمثال حي على ازدواجية المعايير الإسبانية، التي تُحمّل مليلية أعباء “الحدود الأوروبية”، لكنها تستثنيها عند تقاسم المسؤولية الوطنية. فهل باتت مليلية مجرد ورقة أمنية في يد مدريد تُستخدم حسب الحاجة، وتُهمَّش عند توزيع الدعم والإيواء؟ وهل يكفي التعويض المالي لإخفاء هشاشة المنظومة الأخلاقية التي تدير بها الدولة الإسبانية ملف القاصرين؟

أسئلة تبقى مفتوحة، لكنها بالتأكيد تُعيد مليلية إلى صلب النقاش العمومي، لا فقط من منظور إسباني، بل من زاوية مغربية تستحضر التاريخ والهوية والسيادة.

06/07/2025

Related Posts