في خطوة تعكس توجّهًا تصعيديًّا في سياسة التسلح بمنطقة أمريكا اللاتينية، لم يتردد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في توجيه رسائل واضحة للعالم من خلال عرض عسكري ضخم نُظم بمناسبة عيد الاستقلال، معلنًا المضي في “تحصين الدولة” عبر تعزيز الترسانة العسكرية بالتكنولوجيا الروسية والإيرانية.
المشهد، الذي احتضنته قاعدة فويرتي تيونا في العاصمة كاراكاس، لم يكن عرضًا روتينيًا، بل مناسبة كشف خلالها مادورو عن معادلة تسلح جديدة تراهن على تنويع الحلفاء وتقليص التبعية الغربية، تحت شعار “فنزويلا بلد مسالم، لكنه لن يسكت على أي اعتداء”.
الرئيس الفنزويلي لم يكتفِ بالكلمات، بل استعرض جزءًا من إنجازات برنامجه العسكري الممتد منذ عهد هوغو تشافيز، معلنًا دخول مصنع ذخيرة روسي حيّز الإنتاج، بطاقة سنوية تقدر بـ70 مليون رصاصة لبنادق الكلاشينكوف. المشروع الذي أنشئ قرب ماراكاي يُعد باكورة خطة للتصنيع الحربي المحلي، وسط مؤشرات عن قرب إنتاج بنادق AK-103 داخل التراب الفنزويلي.
الرسالة إلى واشنطن واضحة: كاراكاس لم تعد تكتفي بالشراء، بل تسعى لتثبيت أقدامها كلاعب مصنع ومصدِّر للأسلحة في منطقة تُعرف تقليديًا بـ”الفناء الخلفي للولايات المتحدة”.
ضمن توطيد التحالف مع روسيا، دشّنت الحكومة الفنزويلية نظام الملاحة الروسي غلوناس، بديلًا استراتيجيًا لنظام GPS الأمريكي. المشروع الذي أُقيم في قاعدة “إل سومبريرو” يبرز تحول فنزويلا إلى نقطة ارتكاز مهمة في الاستراتيجية الروسية لمنافسة الهيمنة الغربية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتفاقمة.
وفي تلميح إلى رفض أدوات الاتصال الغربية، لم يتردد مادورو في مهاجمة تطبيق “واتساب”، متهمًا إياه بـ”التجسس”، ومعلنًا شروع حكومته في تطوير منصة اتصالات محلية “مقاومة للتجسس والاختراق”.
العرض العسكري كشف كذلك عن تعزيز التعاون العسكري مع إيران، حيث تم استعراض طائرات مسيّرة من طراز محاجر-2، ما أعاد إلى الأذهان محاولة اغتيال مادورو عبر طائرتين مسيرتين عام 2018.
ورغم صمت رسمي حول طبيعة التصنيع، تشير مصادر معارضة إلى أن فنزويلا باتت أول دولة في القارة الأمريكية قادرة على إنتاج طائرات بدون طيار بالتعاون مع طهران، وهو ما وصفته المعارضة بـ”تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي”.
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو سارعت إلى التحذير من خطورة الوضع، معتبرة أن البلاد تحولت إلى “قمر صناعي إيراني على بُعد ساعات من ميامي”. ردّ النظام جاء سريعًا، عبر حملة منظمة شنّتها نساء من الجيش وأجهزة الاستخبارات ضد ماتشادو، متهمين إياها بالدعوة إلى تدخل عسكري خارجي.
في خلفية هذا التصعيد، يلوح نزاع فنزويلا الحدودي مع غيانا حول إقليم إيسيكويبو الغني بالموارد، والذي أصبح بؤرة توتر إقليمي خطيرة. فمع كل هذا الحشد العسكري والتحالفات المتشابكة، يزداد القلق من انفجار صراع مسلح قد يشعل القارة بأكملها.
في الوقت الذي يعيد فيه العالم ترتيب تحالفاته، لا يبدو أن ما يجري في فنزويلا يخص أمريكا اللاتينية وحدها. فمادورو، المحاصر اقتصاديًا والمرفوض شعبيًا، يلجأ إلى “صناعة الخطر” لتأمين بقائه، مستعينًا بكل من موسكو وطهران. هذا التحول يعيد طرح تساؤلات حول أدوار إيران وروسيا في مناطق تعتبر تقليديًا خاضعة للنفوذ الأمريكي… تمامًا كما يجري في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
07/07/2025