في مشهد يعكس هشاشة الرقابة على الأسلاك الأوروبية في إفريقيا، أعلنت مصالح الحرس المدني الإسباني بمدينة مليلية المحتلة عن حجز أكثر من 34 كيلوغرامًا من الحشيش خلال ثلاث عمليات متفرقة بين نهاية يونيو وبداية يوليوز. عمليات تبرز من جهة يقظة الأجهزة الأمنية الإسبانية، لكنها من جهة أخرى تكشف استمرار مليلية في لعب دور معبر نشط ضمن شبكات التهريب الدولي للمخدرات.
العمليات الثلاث التي نفذت بين 30 يونيو و3 يوليوز، تركزت أساسًا حول الشريط الحدودي للمستعمرة، خاصة في محيط معبر “باريو تشينو” وشاطئ “هوركاس كولوراداس”، وهما نقطتان معروفتان منذ سنوات باستعمالهما من قبل المهربين في أساليب بدائية ومتكررة من قبيل رمي “الفَردات” من فوق السياج الفاصل في ما يُعرف بعمليات “volteo”، وهي حيل تهريب مكشوفة تفضح هشاشة الردع رغم الحواجز الإلكترونية والمراقبة.
في واحدة من هذه العمليات، أُلقي القبض على شخص إسباني الجنسية، ضُبط متلبسًا بجمع رُزم الحشيش بعد أن رُميت من الجانب الآخر من الحدود، ليتم توقيفه وبحوزته أربع كيلوغرامات موزعة على 40 قطعة. وفي حادثة ثانية، مكّن تبليغ من مهاجر يقيم بمركز الإيواء المؤقت (CETI) من العثور على طرد آخر به كيلوغرام ونصف من المخدرات. أما الضربة الثالثة، فكانت على شاطئ “هوركاس كولوراداس”، حيث اكتشفت دورية من الحرس المدني طردًا ضخمًا يحتوي على أكثر من 29 كيلوغرامًا من الحشيش، ما يعادل حسب التقديرات الإسبانية أزيد من 120 ألف جرعة موجهة للسوق السوداء.
اللافت أن العمليتين الأخيرتين لم تكن لتتم لولا تدخل السكان المحليين، ما يعكس الدور المحوري الذي باتت تلعبه “المراقبة الشعبية” في مواجهة آفة تفاقمت في السنوات الأخيرة.
وإذا كانت التقارير الرسمية تحاول تصوير هذه الإنجازات كدليل على نجاعة الأمن الإسباني، فإن القراءة المغربية للواقع تطرح تساؤلات أكبر: كيف يُعقل أن تظل مدينة تحت الاحتلال، بمساحة صغيرة وقدرة مراقبة متقدمة، عاجزة عن ردع أساليب تهريب بدائية ومتكررة؟ وكيف تحوّلت الشواطئ والمنافذ إلى نقاط تسلل سهلة للمهربين؟
ولا يمكن عزل هذه الوقائع عن سجل طويل من استغلال مليلية كمحطة انتقال للاتجار غير المشروع، في وقت ما زالت فيه المدينة تعاني من غياب التعاون الحقيقي مع الجانب المغربي الذي يُهمّش عمدًا في المقاربة الأمنية الإسبانية. بل إن تصريحات متكررة من مسؤولين إسبان، تلمّح إلى أن المملكة المغربية تعرقل عبور الجالية خلال عملية “مرحبا”، في حين تُغض مدريد الطرف عن ما يجري داخل مستعمرتها المزدوجة: عبور المخدرات في مقابل عبور العائلات!
ما يجري في مليلية ليس مجرد تهريب كميات من الحشيش، بل هو تجلٍ لأزمة أمنية وأخلاقية داخل كيان استعماري بَات عاجزًا عن ضبط حدوده، بينما يستمر في عرقلة التعاون مع الجوار الطبيعي والشرعي: المغرب.
الوقائع الأخيرة، رغم تفاصيلها، لا تحجب الحقيقة الكبرى: مليلية لا تزال، بواقعها الحدودي المفتوح، واحدة من الثغرات المستعملة من قبل شبكات الجريمة المنظمة، في ظل غياب حل جذري لن يتأتى إلا عبر إنهاء الاحتلال وعودة المدينة إلى السيادة المغربية. فقط حينها يمكن التفكير في أمن شامل لا تحده الأسلاك ولا تُخترقه الفَردات.
07/07/2025