في صرخة مدوية، أطلقت الجمعية المغربية للتنمية الاجتماعية لمحاربة الإدمان وإعادة الإدماج تحذيرًا بالغ الخطورة حول الأوضاع التي باتت تسود القرى والمداشر التابعة لإقليم بركان، والتي تتحول يوماً بعد آخر إلى ساحات مفتوحة لتجارة المخدرات، بكل أشكالها وألوانها، من القنب الهندي إلى الأقراص المهلوسة، مرورًا بالمواد الصلبة التي أصبحت تجد طريقها بسهولة إلى جيوب الأطفال قبل جيوب البالغين.
البيان التنديدي للجمعية لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل جرس إنذار حقيقي ينبه إلى وضع كارثي تتقاطع فيه الجريمة مع الإهمال، وتستشري فيه الآفة بين فئات عمرية هشّة، في ظل تراجع فرص الشغل، وانعدام التأطير، وغياب شبه كلي لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي داخل العالم القروي.
ففي الوقت الذي تملأ فيه شعارات “المغرب الأخضر” و”العدالة المجالية” رفوف الوثائق الرسمية، يعيش شباب القرى بين براثن البطالة والتهميش، ليجدوا أنفسهم فريسة سهلة في قبضة مروّجي السموم الذين لا يتورعون عن استغلال فقرهم واندفاعهم وغياب البدائل.
الجمعية أشارت بوضوح إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري والانحراف والإدمان، مشددة على أن هذه الظواهر ليست “ظواهر جانبية”، بل أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القروي والتنمية الاجتماعية في الإقليم. ودعت إلى تعبئة شاملة تشمل السلطات الأمنية والقضائية لتفكيك الشبكات الإجرامية، ومحاسبة المتورطين، مع إشراك المؤسسات التعليمية والأسر والجمعيات والمجالس المنتخبة في معركة الوقاية والتأطير.
ورغم لغة البيان التي تميل إلى الجدية والتعاون، إلا أن فحواه يكشف عن عمق الأزمة وغياب الفعل الميداني الملموس. إذ ما فائدة التوصيات إذا ظلت حبيسة البلاغات؟ وما جدوى التحذير إذا لم يعقبه تحرّك أمني ومجتمعي يعيد الاعتبار لكرامة القرى ويحصّن أبناءها من السقوط في مستنقع الإدمان؟
إن لم تتحرك السلطات غداً، فربما نحتاج مستقبلاً إلى فتح شعب دراسية جديدة في المدارس القروية تُدرّس “تاريخ أنواع المخدرات” و“مهارات التسويق المظلم”. وعوض أن نحلم بمهندسين وأطباء وفلاحين منتجين من أبناء البادية، قد نُفاجأ بجيل جديد من “الديلرية الصغار” يتحركون بنظام وخفة أكثر من شركات التوصيل الحديثة!
أليس من العار أن تتحول قرانا إلى مصانع للمآسي، بينما الجميع يتقن فن “الفرجة من بعيد”؟ يا أهل القرار: إن لم تتحركوا اليوم… فقد تجدون غدًا المخدرات تُباع بجانب الخبز في دكاكين القرية، وبوصلات ترويجية تحت عنوان: “اشرب المخدر… وانسَ الواقع!”