من جديد، تعود قضية مقتل الشاب المغربي عبد الرحيم (35 سنة) في بلدة توريخون دي أردوث ضواحي العاصمة مدريد إلى الواجهة، بعد إفادات صادمة قد تغيّر مسار التحقيق. الضحية، الذي توفي إثر تدخل عنيف من طرف شرطي بلدي خارج أوقات عمله، لا يزال جسده مودعًا بمستشفى “إيزابيل زيندال”، في انتظار نتائج تقرير الطب الشرعي.
في جلسة استماع حاسمة أمام قاضية المحكمة رقم 4، أدلى شهود رئيسيون بإفاداتهم، بينهم عناصر من الشرطة الوطنية الإسبانية الذين كانوا أول من وصل إلى المكان، حيث أكدوا أن عبد الرحيم “لم يُظهر أي علامات للحياة” وقت وصولهم، وكان مكبلاً وعاجزًا عن الوقوف. رغم محاولات الإنعاش القلبي، لم يُكتب له النجاة.
واحدة من الشهادات المفصلية جاءت من سيدة كانت في عين المكان، وثّقت بجهازها النقال مشهدًا صادمًا يظهر الشرطي رفقة زميله المتقاعد وهما جاثمان فوق جسد الضحية. الشاهدة أكدت أن وجه عبد الرحيم كان مزرقًا، مضيفة أنها “رأت ذلك بوضوح تحت إنارة مصباح الشارع”، في دلالة على شدة الاختناق.
المقطع المصور، الذي انتشر كالنار في الهشيم، يُظهر مواطنين وهم يصرخون في وجه المعتدين طالبين منهم الكف عن الضغط على الرجل الذي “لا يتحرك ولا يتنفس”، فيما يواصل المشتبه فيه ترديد اتهاماته بسرقة هاتف.
وفق رواية الشرطي المتهم، فإن الضحية حاول سرقة هاتفه، فطارده بمساعدة صديقه المتقاعد وأمسك به إلى أن حضرت الشرطة الوطنية. غير أن هذه الرواية تنهار أمام شهادات الشهود الذين أفادوا بأن عبد الرحيم كان يعاني من مشاكل صحية، ووفقًا لعائلته، لم يكن قادرًا حتى على الركض لمسافة قصيرة، ما يشكك في رواية “الهروب والمطاردة”.
ويزيد الوضع تعقيدًا الكشف عن أن الشرطيين كانا تحت تأثير الكحول. حيث أظهرت تحاليل لاحقة أن المتهم الرئيسي كان يحمل في دمه نسبة 0.32 غ/ل، بينما بلغ لدى رفيقه 0.37 غ/ل، وهي أرقام وإن كانت دون الحد القانوني للقيادة، إلا أنها تطرح تساؤلات خطيرة حول أهليتهما للتدخل القسري.
هيئة الدفاع عن عائلة عبد الرحيم أعلنت عزمها التقدم بطلب رسمي لتوسيع دائرة التحقيق، حتى تشمل كذلك الشرطي المتقاعد الذي شارك في عملية توقيف الضحية، بل وظهر على جسده في المقاطع المصورة. كما تطالب العائلة بفتح تحقيق مستقل، بالنظر إلى الملابسات الخطيرة التي تحيط بالقضية.
وفي وقت لم يصدر بعد التقرير النهائي لتشريح الجثة، تشير المعطيات الأولية إلى أن الوفاة ناتجة عن “أنوكسيا”، أي انقطاع الأوكسجين عن الدماغ، ما يدعم فرضية الوفاة نتيجة الخنق أو الضغط القاتل على القفص الصدري
قضية عبد الرحيم تثير استياءً متزايدًا وسط الجالية المغربية بإسبانيا، التي نظمت وقفات احتجاجية للمطالبة بالعدالة، ورفعت شعارات تُدين “العنف البوليسي ضد المهاجرين”، كما أعلنت جمعيات حقوقية نيتها رفع الملف إلى الهيئات الأوروبية لمناهضة التمييز وسوء المعاملة.
وفي المغرب، تتابع الرأي العام والهيئات المدنية هذه القضية بقلق، وسط دعوات موجهة للسلطات المغربية من أجل التدخل الدبلوماسي العاجل ومتابعة الملف قانونيًا وإنسانيًا، حماية لكرامة المواطنين في الخارج وضمانًا لحقهم في العدالة.
08/07/2025