في مشهد غير مألوف في الساحة السياسية البرتغالية، مثل رئيس الوزراء الأسبق، جوزيه سوكراتس، أمام محكمة العاصمة مدافعًا عن نفسه شخصيًا ضد اتهامات خطيرة بالفساد وغسل الأموال والاحتيال الضريبي. ووصف سوكراتس لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة بأنها “خيانة تامة” واتهمها بالبناء على تكهنات واتهامات واهية لا تستند لأي دليل.
خلال الجلسة الثانية من محاكمته التي تُعقد ضمن قضية “عملية ماركيز”، وهي واحدة من أكبر ملفات الفساد السياسي في تاريخ البلاد، استخدم سوكراتس لهجة حادة وأسلوبًا دفاعيًا مستندًا إلى معرفته العميقة بتفاصيل القضية التي تعود جذورها لأكثر من عشر سنوات. وقال: “لا علاقة لي بأي تحويلات مالية. هذه الأمور غريبة عني. المحققون كلما وجدوا تحويلًا، حاولوا ربطه بقرار اتخذته. الأمر أقرب للجنون”.
لم تكن مهمة هيئة المحكمة سهلة كذلك، فقد حاولت القاضية سوزانا سيكا فرض النظام والاختصار على المتهم، إلا أن سوكراتس كان يرد بتجاهل أو اتهامات ضمنية بـ”العداء الممنهج”. بل وتجاوز ذلك إلى اتهام القاضية بالتعامل معه كما لو كان موظفًا تابعًا، مما دفعها إلى تحذيره: “توقف عن التلميح بأن لديّ نقصًا إدراكيًا، وكفّ عن السخرية من ممثلي الادعاء”.
لكن سوكراتس لم يتراجع، وكان مستعدًا بخطاب منظم، مدججًا بوثائق رسمية وملفات ضخمة، مدافعًا عن نفسه بصفته أحد أبرز رجال الدولة في السنوات الماضية، متهمًا النيابة العامة بالتلاعب بالوثائق وإخفاء أدلة تبرئه. وأشار إلى وثائق موقعة من وزراء سابقين تؤكد حيادية الحكومة في قضايا تتعلق بشركة “تيليفونيكا” الإسبانية وشركة “سوناي” البرتغالية.
وقال في إحدى لحظات الخطاب: “ما هذه الاتهامات الهزلية؟ النيابة لا تملك أي دليل يثبت أنني كنت أتآمر أو لدي نية خفية. إنها أرض الخيال والتلفيق!”.
وفي محور آخر من جلسة المحاكمة، ركز سوكراتس على دحض ادعاء الادعاء العام بأنه تلقى رشى أو خدمات من ريكاردو سالغادو، الرئيس السابق لمجموعة “إسبيريتو سانتو”، والذي أُعفي من المثول أمام المحكمة لأسباب صحية.
وأكد سوكراتس أن العلاقة بينهما لم تكن تتجاوز المجاملات الرسمية، وقال: “التقيته مرة واحدة فقط قبل أن أصبح رئيسًا للوزراء. لم أزر مكتبه قط، لا أعرف عنوانه، ولم تكن بيننا صداقة أو أي علاقة شخصية”.
وعند مواجهة التسجيلات الهاتفية بينه وبين سالغادو، والتي بدا فيها الحديث وديًا، اعتبرها سوكراتس جزءًا من “لباقة سياسية لا أكثر”، متهمًا الصحافة بالتواطؤ مع النيابة العامة في تشويه سمعته.
قضية “عملية ماركيز”، التي تضم 22 متهمًا من كبار رجال السياسة والأعمال، من بينهم سوكراتس وسالغادو، تدور حول شبهات باستغلال النفوذ وغسل أموال بملايين اليوروهات. وتعد هذه المحاكمة تتويجًا لعقد من التحقيقات والفضائح التي هزت النظام السياسي في البرتغال.
رغم مرور سنوات على خروجه من السلطة، يواصل جوزيه سوكراتس إثارة الجدل، وهذه المحاكمة ربما تشكل الفصل الأهم في مسيرته السياسية، أو نهايتها.
09/07/2025