kawalisrif@hotmail.com

مدينة “بيينيكو” الضائعة في جبال البيرو: حضارة عمرها 3.500 سنة تنافس عظمة الفراعنة

مدينة “بيينيكو” الضائعة في جبال البيرو: حضارة عمرها 3.500 سنة تنافس عظمة الفراعنة

بينما كانت الحضارة الفرعونية في أوج قوتها، تبني المعابد وتوسّع إمبراطوريتها تحت حكم رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، كانت على الجانب الآخر من العالم مدينة نائية تنبض بالحياة والازدهار في أعالي وديان البيرو. مدينة “بيينيكو”، التي ظلت مدفونة تحت الرمال والنسيان لأكثر من 3.000 عام، خرجت اليوم إلى الضوء لتعيد كتابة جزء من تاريخ الحضارات القديمة في أمريكا الجنوبية.

فقد أعلنت السلطات البيروفية، بالتعاون مع باحثين من منطقة كارال، عن فتح الموقع الأثري بمدينة “بيينيكو” أمام الجمهور، بعد ثماني سنوات من التنقيب والدراسات المكثفة. وتقع هذه المدينة الغامضة على ارتفاع 600 متر فوق سطح البحر، بمحاذاة نهر “سوبّي”، وسط تضاريس جبلية حادة وصعبة، ويُرجّح أنها كانت نقطة محورية للتبادل التجاري بين الساحل والجبال وأحراش الأمازون.

تعود أصول “بيينيكو” إلى ما بين عامي 1800 و1500 قبل الميلاد، أي إلى نفس الحقبة التي كان فيها الفراعنة يشيدون المعابد في الأقصر ويتوسعون في وادي النيل. إلا أن المفاجأة أن هذه المدينة لم تكن مجرد مستوطنة بسيطة، بل كانت مركزاً حضرياً متكاملاً بُني على أسس حضارية دقيقة، مرتبطًا على الأرجح بحضارة كارال، أقدم حضارة معروفة في القارة الأمريكية، والتي تعود إلى 5.000 سنة.

الآثار المكتشفة في الموقع شملت 18 مبنى، من بينها هياكل سكنية وأخرى ذات طابع طقوسي، إلى جانب مبانٍ عامة ودوائر حجرية. وتبرز من بينها بناية ضخمة أطلق عليها العلماء اسم “B2″، والتي تحتوي على نقوش بارزة لما يُعرف بـ”بوتوتوس” – أبواق مصنوعة من أصداف بحرية استخدمها سكان جبال الأنديز الأوائل في المناسبات الدينية.

بحسب الدكتورة “روث شادي”، مديرة منطقة كارال الأثرية، فإن موقع المدينة كان استراتيجياً، ليس فقط من حيث الجغرافيا، بل من حيث دوره كمفترق طرق بين حضارات الساحل والجبال والغابات. وتشير المعطيات إلى أن “بيينيكو” كانت مركزاً لتبادل الهيماتيت، وهو معدن حديدي يُستخدم في إنتاج صبغة حمراء مقدسة لها دلالات روحانية عميقة في معتقدات الشعوب الأنديزية.

العلماء لم يكتفوا بالمباني فقط، بل وجدوا أيضاً تماثيل طينية تمثل الإنسان والحيوان، وقلائد مزينة بأحجار شبه كريمة مثل السبينديولوس والرودوكروزيت والعظام والفخار، ما يعزز الاعتقاد بأن المدينة كانت على مستوى حضاري وثقافي مرموق.

وفي خطوة تهدف إلى ربط الماضي بالحاضر، تستعد السلطات المحلية لإطلاق احتفال تقليدي تحت اسم “بيينيكو رايمي”، يوم السبت المقبل، بمشاركة سكان المنطقة، في طقس مخصص لتقديم القرابين لـ”باتشاماما” (أم الأرض في الميثولوجيا الأنديزية)، تعبيراً عن الامتنان لهذا التراث العريق.

وهكذا، بينما كانت الأهرامات ترتفع في مصر القديمة، كانت جبال الأنديز تنبض بحضارة موازية، مختلفة في الشكل، لكنها عميقة في المعنى.. مدينة بيينيكو، التي قاومت الزمن والصمت، تعود اليوم لتُحدّثنا بلغتها الخاصة عن حضارات نُسيت لكنها لم تمت.

09/07/2025

Related Posts