كعادته في كل “زفرة مغربية”، خرج حزب اليمين المتطرف الإسباني ڤوكس ليصرخ في الهواء: “ابتزاز مغربي جديد!”، تعليقًا على قرار المغرب الأخير بإغلاق الجمارك التجارية مع مدينة مليلية المحتلة، وهو القرار الذي، للمفارقة، قللت من شأنه لاحقًا حتى وزارة الخارجية الإسبانية نفسها. لكن ڤوكس لا يهدأ، ولا يترك أي مناسبة تمر دون أن يصبّ فيها لهيب نظرياته الاستعمارية البالية.
وفي بيان يبدو أقرب إلى “فيلم درامي متكرر”، اعتبر الحزب أن الجمارك التي أنشأها المغرب في معابر مليلية وسبتة لم تكن يومًا أكثر من “أداة للابتزاز السياسي” – بل ويذهب أبعد من ذلك بالقول إنها مجرد خدعة لإيهام مدريد بأن شيئًا ما يتحرك على مستوى التجارة الحدودية. والمضحك أن الحزب يقرّ بأن المغرب يتصرف بـ”استقلالية تامة”، ثم يستنكر الأمر، وكأن استقلال القرار المغربي جريمة في حق إسبانيا.
رئيس فرع الحزب بسبتة، خوان سيرخيو ريدوندو، لم يُقصّر في توزيع اتهاماته، معتبرًا أن الجمارك المغربية لا تمت بصلة لما تُعرف به الجمارك عالميًا، بل هي مجرد مسرحية سياسية لا تُدر ربحًا على الطرف الإسباني. ومع ذلك، لا نرى ڤوكس يلوم بلاده التي تحتل أراضي الغير، بل يُفضل أن يذرف دموع التماسيح على اقتصاد محلي في سبتة يوشك على الاختناق، وكأن المغرب مسؤول عن “الركود” في اقتصاد مدينة بُنيت، تاريخيًا، على التهريب والسوق السوداء.
وبين سطور البيان يظهر ما هو أعمق: أزمة وجود لدى حزب لا يزال يرفض الإقرار بأن للرباط كامل السيادة على قرارها الحدودي، وأن سبتة ومليلية ليستا إلا مستعمرتين عالقتين في زمن ما بعد الاستعمار. ڤوكس يُحذر من أن المغرب “يعرف جيدًا ما يفعل”، والحقيقة أن هذا القول صحيح تمامًا، فقط بنبرة مغايرة: فالمغرب يمارس سيادته على حدوده، ويغلقها ويفتحها متى شاء، ولا يحتاج إذنًا من ڤوكس أو من حكومة مدريد نفسها.
أما عن الحكومة المحلية في سبتة، فـڤوكس يندب حظّه معها أيضًا، متهمًا إياها بـ”الخضوع لسياسات الخنوع التي ينتهجها بيدرو سانشيز تجاه المغرب”. وفي واقع الأمر، يبدو أن ما يُقلق الحزب ليس مصير الجمارك، بل فقدان القدرة على فرض الإملاءات كما اعتادت إسبانيا أيام كانت تعتبر المغرب مجرد “حديقة خلفية”.
وفي ختام نوبته الهستيرية، اعتبر ڤوكس أن الجمارك ليست إلا قطعة شطرنج في يد الرباط تُستعمل للضغط على مدريد. وربما نسي أن لعبة الشطرنج تتطلب عقلًا باردًا وخططًا بعيدة المدى، وهي صفات لم تكن يومًا من مواطن قوة ڤوكس، الذي يفضل العزف على أوتار العنصرية والشوفينية بدل التفكير في أسباب التوتر الحقيقية: الاستعمار، والاحتلال، ونظرة استعلائية لا تزال تحكم قطاعات من السياسة الإسبانية في تعاملها مع المغرب.
في النهاية، يبدو أن ما يزعج ڤوكس ليس إغلاق الجمارك بحد ذاته، بل أن المغرب يغلقها بيده، ومن تلقاء قراره السيادي. وهذه مسألة لا يُجيد اليمين المتطرف هضمها، خاصة إذا أتت من جنوب المتوسط.
09/07/2025