كان من المفترض أن تكون مجرد رحلة جوّية روتينية تربط هولندا، بمطار العروي، ينزل الركاب، وتبدأ عطلة الصيف … لكن شركة Transavia قررت أن تهبّ للجالية تجربة “مختلفة”، تصلح أن تُدرّس في مدارس الفوضى الجوية، أو تُعرض في مهرجان فيلم عبثي مدته 3 ساعات و192 ضحية.
الربّان، خلال رحلة أمس الأربعاء، وقد تحوّل إلى لاعب سيرك معلّق بين الغيوم، قرّر أن يجرّب حظّه ثلاث مرات كاملة. حلّق، نزل، ارتفع … ثم عاد من جديد، تاركاً الركاب بين قراءة الفاتحة وترديد الشهادة … ثم قال جملته الخالدة عبر مكبّر الصوت : “نعتذر… الرياح قوية !”
رياح؟ أين؟ الأرصاد الجوية في الناظور كانت تبتسم وهي تؤكّد أن الطقس كان هادئاً كصفحة ماء. يبدو أن الربّان كان يقرأ توقّعات الطقس من كوكب آخر، أو ربما من مسلسل درامي خيالي.
مصادر من داخل مطار العروي ( تحفّظت على ذكر اسمها خشية أن تركب Transavia فوق رأسها )، أكّدت لكواليس الريف، أن سلوك الربّان “لم يكن طبيعياً”. تحرّكاته، قراراته، وحتى نبرته كانت توحي بشيء غير مريح . . الشكوك بدأت تتصاعد : هل كان الربّان تحت تأثير الكحول؟ المخدّرات؟ أم مجرد مغامر مهووس بألعاب الفيديو الجوية ؟
على الجانب الآخر، أصوات أخرى تقول إن الطائرة نفسها كانت في حالة “الله يحد الباس”، مجرد علبة سردين بأجنحة، تصدر أصواتاً غريبة منذ الإقلاع، وتذكّر الركاب برحلات الطوبيس بين الناظور وزايو .
بعد فشل مطار العروي في احتضان الطائرة، توجّهت طائرة الركّاب ـ أو النّاجون بالأحرى ـ إلى مطار وجدة أنجاد .. هناك، ظنّ الجميع أن الكابوس انتهى. لكن Transavia، دائماً ما تفاجئك، تركت الركّاب داخل الطائرة قرابة ثلاث ساعات، في درجات حرارة خانقة، بلا تفسير، بلا ماء، بلا اعتذار … وكأنهم محتجزون في كبسولة زمنية.
وبعدما تعبوا من التنهيدات، تكلف مساعد الطبار ، رفقة الطيار الذي بقي مراقبات داخل المقصورة ، ليطير ، ويحلق ثم ينزل بمطار العروي … قد تظن أن الشركة كانت تختبر فيهم تجربة واقع افتراضي … أو على الأقل تطبّق خطة سياحية جديدة : رحلة واحدة، 3 مطارات ، ثلاث حالات هلع.
ترانسافيا، وكأي شركة تعرف جيداً كيف “لا” تتواصل مع جمهورها، اختارت الصمت الكامل. لا بلاغ، لا اعتذار، لا “معلش”. وكأنّ شيئاً لم يكن. الركّاب، من جهتهم، قرّروا أن يرفعوا الصوت بطريقتهم الخاصة : البعض أقسم ألا يركب طائرة Transavia حتى لو كانت مجانية، وآخرون اقترحوا إعادة تسمية الشركة إلى: “ترانصـاعْـفية”… لأنك لا تدري : هل ستصل؟ هل ستهبط؟ هل ستبقى حيّاً ؟
في النهاية، مغاربة العالم الذين أرادوا قضاء الصيف في دفء العائلة وشمس الوطن… وجدوا أنفسهم أبطالاً في فيلم لم يطلبوا المشاركة فيه، يردّدون ما صار الشعار الجديد: “كنّا جايين نصايفو… لقينا ريوسنا فحلقة من Black Mirror!”
فهل انتهت الحكاية؟ ليس بعد ! لأن بعض الركّاب – ممن ظل فيهم القليل من الأمل والبطارية في هواتفهم – تساءلوا : هل يمكن رفع دعوى قضائية؟ هل نشتكي؟ هل نكتب لوزير النقل؟ الجواب كان حاضراً في عيون الجميع : “آش غادي تقول لوزير فبلاد ما عارفاش حتى شحال من طيارة حابسة فكازا ؟”
وهكذا طُويت صفحة الرحلة العجيبة، لا كدرس في الطيران، بل كتحذير مفتوح لكل من تسوّل له نفسه حجز تذكرة على ترانسافيا: خذ معك جواز السفر، قنينة ماء، شاحن متنقل، ومصحف… فقد تقلع إلى الناظور، وتهبط في بودابست، أو تجد نفسك تعود من حيث أتيت ومعك شهادة في فنون الصبر والتأمل.
10/07/2025