تكتسح عربات البيع العشوائي الأرصفة والأزقة في مختلف المدن المغربية، حيث تحوّل الفضاء العام إلى ملاذ لآلاف المواطنين الباحثين عن قوت يومي في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة. ويعكس هذا المشهد الآخذ في الاتساع تحولات عميقة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، يرافقها تساؤل جوهري حول مدى قدرة السياسات العمومية على احتواء هذا القطاع ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي، خصوصاً مع ما يترتب عنه من تأثيرات على النسيج الحضري والتجاري المنظم.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أمين سامي أن البرنامج الوطني لتنظيم التجارة غير النظامية يمثل خطوة استراتيجية بإشراف وزارة الصناعة والتجارة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مشيراً إلى دمج أكثر من 86 ألف بائع جائل من أصل 124 ألفا تم إحصاؤهم، بنسبة تغطية بلغت 69%. لكنه حذّر من معيقات ميدانية تعرقل فعالية هذا الإدماج، أبرزها ضعف تجاوب المعنيين، وتعقيد المساطر العقارية، وغياب بيانات دقيقة حول عدد المزاولين الفعليين، وهي مشاكل أقر بها أيضاً وزير الصناعة رياض مزور، مؤكداً أن النتائج المحققة لا تزال دون الطموحات المرجوة.
ويرى سامي أن استمرار تفشي هذه الظاهرة يعود إلى عوامل بنيوية، منها الهجرة القروية، والجفاف، ونقص المؤهلات، مما يدفع فئات واسعة إلى امتهان البيع العشوائي كخيار قسري. وأضاف أن تداعيات هذه الوضعية تمتد إلى خسائر ضريبية للدولة، وتكريس منافسة غير عادلة مع التجار المهيكلين، فضلاً عن الأثر السلبي على الفضاء العام من حيث الاكتظاظ، والتدهور البيئي، والمخاطر الصحية. ويقترح الخبير لمعالجة الإشكال، اعتماد مقاربة شمولية ترتكز على التنظيم والتمكين والتشغيل، بإحداث أسواق للقرب، وتسهيل مساطر الحصول على صفة “مقاول ذاتي”، وتوفير تمويلات ميسرة وتكوينات في التسويق والمحاسبة، مع إطلاق نماذج تجريبية قائمة على البيانات والتحليل الميداني، تمهيداً لتعميم حلول قابلة للتنزيل العملي.
10/07/2025