في عرض عسكري إعلامي أكثر منه استراتيجي، خرج رئيس أركان الدفاع الإسباني، الأميرال الجنرال تيودورو لوبيث كالديرون، بتصريح يهدف لطمأنة الداخل الإسباني، حيث أكد أنه “لا توجد أي مؤشرات” على نية المغرب اجتياح سبتة أو مليلية المحتلتين، مستبعداً أي سيناريو عدائي من الرباط تجاه المنطقتين الواقعتين على التراب المغربي والمحتلتين منذ قرون.
تصريح أتى خلال لقاء نظّمه “المنتدى التنفيذي” في مدريد، ليؤكد فيه المسؤول العسكري الأول أن “الوضع الأمني في تلك المنطقة مضمون بفضل القوات المسلحة الإسبانية”، مضيفًا بثقة هشة أن الجيش “جاهز لمواجهة أي تهديد”… ولكن بشرط ألا يكون مغربياً، على ما يبدو.
ورغم المحاولة الرسمية لطمأنة الرأي العام، لم تمر تصريحات لوبيث كالديرون مرور الكرام، إذ تلقفتها أصوات إسبانية بكثير من التحفظ، بل والامتعاض، ووصفتها بعض المنابر بـ”الضعيفة والمقلقة”. فقد تساءل موقع Hispanidad المحافظ، بشيء من الذعر المصطنع، “هل هذا كل ما في جعبة الجيش؟”، قبل أن ينتقد ما وصفه بـ”الغياب التام لاستراتيجية ردع واضحة”، مستنكرًا أن يكون الرد الرسمي على احتمال تهديد سبتة ومليلية هو: “الأمر غير وارد في الوقت الحالي”.
الانتقادات لم تقف عند حدّ الخطاب، بل طالت مضمون العقيدة الدفاعية نفسها، والتي يبدو أنها باتت رهينة التفاؤل المفرط والثقة العمياء في حسن نوايا الرباط. أصوات عدة طالبت بأن تتحرك المؤسسة العسكرية وفق منطق استباقي، لا أن تنتظر إنذارات في شكل غزو، كما لو أن الجيوش تقرع الأبواب قبل أن تتحرك.
ولم تفلح محاولات لوبيث كالديرون في إقناع منتقديه حين استعرض مؤشرات الإنفاق العسكري، مدعيًا أن نسبة 2.1% من الناتج الداخلي الخام كافية لتحقيق التزامات مدريد تجاه حلف الناتو. بل إن دفاعه عن الأداء العسكري الإسباني على الساحة الدولية – حيث تشارك القوات الإسبانية في عمليات بالخارج – بدا أقرب إلى صرف الانتباه عن أصل المعضلة: هشاشة الدفاع في الخاصرة الجنوبية.
ورغم محاولات التهوين، لا أحد في مدريد يجهل أن المغرب لا يزال يعتبر المدينتين المحتلتين جزءاً لا يتجزأ من ترابه الوطني. وما وصفته إسبانيا بـ”الهدوء”، يراه كثير من المراقبين في المغرب مجرد مرحلة من مراحل استعادة الحق المغتصب، بأسلوب دبلوماسي ذكي يُغني عن دقّ طبول الحرب.
ولعلّ أكثر ما أثار الحرج لدى المؤسسة العسكرية الإسبانية، هو عدم قدرة رئيس الأركان على الجزم بما إذا كانت إسبانيا مستعدة فعلاً لردع أي تحرك محتمل، بل وأكثر من ذلك: اعترافه بأن القدرات التكنولوجية باتت مهددة بفعل القطيعة مع السوق العسكرية الإسرائيلية، دون بدائل واضحة حتى الآن.
في خلاصة المشهد، يظهر أن إسبانيا تحاول، عبر مسؤوليها العسكريين، بيع وهم الاستقرار والتفوق، في وقت تتآكل فيه الثقة الداخلية بمؤسساتها الدفاعية. المفارقة الساخرة أن هذا “الاستقرار” يعلّق كله على فرضية واحدة: أن المغرب لن يتحرك.
أما المغرب، فربما لا يحتاج اليوم إلى “غزو” مليلية وسبتة، إذ يكفيه أن يشاهد الجارة الشمالية ترتبك أمام ظلّ تحرك غير موجود بعد. فماذا لو جاء اليوم الذي تقرر فيه الرباط استعادة حقوقها بـ”نية صادقة”؟… قد يكون حينها الجواب الإسباني: “لم نكن نتوقع أن يحدث هذا!”، وهي عبارة تصلح كخاتمة للكوميديا العسكرية الإسبانية، لا كموقف سيادي.
10/07/2025