تعيش جهة كلميم واد نون على وقع فضيحة جديدة تهزّ قطاع الصحة العمومية، بعدما كشفت إحدى الجمعيات الحقوقية بالعاصمة عن شبكة فساد معقّدة، تتشابك خيوطها بين طبيب شبح ـ أشبه بـ”السندباد الطائر” ـ يجوب ربوع المملكة من الجنوب إلى الشرق، ومسؤولين إداريين تورّطوا بصمتهم وتواطؤهم في تحويل صحة المواطن إلى سلعة تُباع وتُشترى في سوق المصالح والولاءات.
تشير التحقيقات الأولية إلى تورّط المدعو مصطفى بغي، طبيب القلب والشرايين المُسجّل نظريًا ضمن أطر الصحة بكلميم، في شبكة تحويلات مالية غامضة قادمة من مصحات خاصة بالدار البيضاء ووجدة وأكادير، رغم تغيّبه لأكثر من سنة كاملة خارج أرض الوطن، مكتفيًا بـ”حضور رمزي” عبارة عن أسبوع سياحي بمستشفى كلميم كل ثلاثة أشهر، فقط لضمان استمرار التدفقات المالية من المال العام.
التحويلات البنكية الواردة من مصحات الشرق والوسط أثارت استغراب الجمعية، التي طرحت السؤال الذي يُفترض أن تطرحه الوزارة نفسها: كيف لطبيب لا يزاول، ولا يُرى، ولا يُراقَب، أن تُحوّل له أموال ضخمة من مؤسسات طبية خاصة؟ هل نحن أمام “طب عن بُعد”؟ أم أمام “فساد عن قرب” يُمارَس تحت أنظار المسؤولين أنفسهم؟
أخطر ما في القضية، بحسب المصدر ذاته، هو التستّر المتعمّد من طرف المندوب الإقليمي لوزارة الصحة والمندوب الجهوي، اللذَين التزما “الصمت الوظيفي” إزاء هذه الخروقات الصارخة. بل تُرجّح شبهة التواطؤ، من خلال تسهيل استمرار استفادة هذا “الطبيب المزعوم” من امتيازات غير مستحقّة، بدعوى ارتباطه بـ”علاقات عليا” داخل الوزارة.
ولم تتوقّف خيوط الفضيحة عند التحويلات المشبوهة، بل امتدّت إلى تسجيلات صوتية حصلت عليها الجمعية عبر تطبيق “واتساب”، توثّق لعرض عمولات مالية على سائقي سيارات الإسعاف، مقابل “اصطياد” المرضى وتحويلهم قسرًا إلى مصحات معيّنة، في نموذج سافر من “التسويق العدواني” المغلّف بغطاء الإسعاف، وعلى حساب كرامة المريض، الذي يُفترض أن يُعامَل كإنسان لا كغنيمة.
وفي سقطة أخلاقية مدوّية، ظهر مصطفى بغي بصوته في كبسولة دعائية لصالح مجموعة “أكديطال” الخاصة بكلميم، في خرق صارخ لضوابط الحياد المهني، وتحويله من طبيب ـ بالصفة فقط ـ إلى بوق إعلاني مدفوع الأجر، في استغلال فاضح للصفة والموقع والصلاحيات.
دعت الجمعية الحقوقية وزير الصحة والحماية الاجتماعية، المحسوب على حزب “الحمامة”، إلى كسر حاجز الصمت وفتح تحقيق عاجل وشامل، بدل الاكتفاء بـ”التغريد في المناسبات”. كما ناشدت المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة تحمّل مسؤولياتهم كاملة، مؤكّدة أن ما يحدث في كلميم لم يعُد مجرد خلل إداري، بل أقرب إلى عملية ممنهجة لنهب المال العام تحت عباءة الطب.
الملف لا يزال مفتوحًا، والمتورّطون في ازدياد، بينما الوزارة تواصل نومها السريري في قسم العناية المركّزة للصمت!
أما المواطن، فليطمئن… فحتى المرض في كلميم صار مشروعًا استثماريًا، وربما تُضاف قريبًا ضريبة جديدة: ضريبة الألم.!.
— فيديو يوثق الطبيب بغي يصور مريض خلال عملية جراحية وهو يشرح تفاصيل العملية كإشهار لنفسه في خرق خطير للقانون المنظم :
10/07/2025
