kawalisrif@hotmail.com

“شاعلة” عملية مرحبا وألم الانتظار … مغاربة العالم في سباق ماراثوني نحو إستخراج جواز سفر جديد !

“شاعلة” عملية مرحبا وألم الانتظار … مغاربة العالم في سباق ماراثوني نحو إستخراج جواز سفر جديد !

بين مطرقة “عملية مرحبا” وسندان “موعد القنصلية”، يعيش آلاف من مغاربة العالم صيفًا لا يُشبه عطلة، بل أقرب ما يكون إلى سباق دراجات ضد الزمن، حيث تُستبدل الدراجات بجوازات سفر منتهية، والطرقات بمواقع إلكترونية لا تفتح، والخوذات بجرعات لا نهائية من الصبر.

المشهد بات مألوفًا ومُكرّرًا: مهاجر مغربي يقضي أيام عطلته يتنقل من قنصلية إلى أخرى، بحثًا عن تجديد بطاقة وطنية أو استصدار جواز سفر جديد، لا ليُسافر إلى بلد الأحلام، بل فقط لكي يعود إلى وطنه الأم. البعض يُقسم أنه حاول حجز موعد عشرات المرات، فجُوبه برسالة إلكترونية جامدة: “لا توجد مواعيد متاحة حاليًا”، وكأن الإدارة المغربية قررت فجأة اعتماد نظام “اليانصيب الرقمي” لاختيار من يستحق الخدمة. أما من حالفه الحظ، فعليه أن يُعدّ العدّة: نسخة من بطاقة الجدّة، عقد ازدياد العمّة، وإثبات “النية الصادقة في حب الوطن”، وكل ذلك داخل ظرف متنبر بـ23 درهمًا.

في إسبانيا، قررت السلطات أن تضع حدًا لمآسي مواطنيها المقيمين بالخارج. كيف؟ ببساطة: سُمح لحاملي بطاقات الإقامة المنتهية بالدخول دون تصريح عودة، شرط التوفر على جواز سفر ساري ووثيقة تثبت مباشرة إجراءات التجديد. لا حاجة لمواعيد خرافية، ولا لطواف إداري بين مكاتب الشرطة والهجرة، بل تسهيلات موسمية واقعية، فتحت لهم أبواب العودة إلى وطنهم بكل سلاسة.

أما نحن في المغرب، فكل ما نلتمسه هو رأفة إدارية بأبناء الوطن الذين، رغم بُعدهم، لا يتوقفون عن دعم الاقتصاد الوطني بتحويلاتهم، واستثماراتهم، وحتى باشتياقهم الذي لا ينتهي.

متى تُدرك الحكومة أن مغاربة العالم ليسوا مجرد “أرقام موسمية” في الإحصاءات؟ متى تتوقف عن معاملتهم كمواطنين مؤقتين بمجرد حلول الصيف؟ أليس من الأجدر تطوير منصات إلكترونية تواكب الضغط الموسمي، أو على الأقل استحداث خدمة مستعجلة مؤقتة خلال فترة “مرحبا” تكون مرنة وفعّالة؟

هل نحتاج حقًا إلى التوسل من أجل موعد لتجديد جواز سفر منتهي؟ أم أن حب الوطن، في زمن الرقمنة، يجب أن يُثبت على بوابة القنصلية في طوابير لا تنتهي من الشروق إلى الغروب؟

في إسبانيا، المهاجرون يُعاملون كأبناء. في المغرب، يُعاملون وكأنهم غرباء على العتبة.

فهل تتحرّك الحكومة ومصالحها القنصلية لتقليل آلام هذا النزيف الإداري الموسمي؟ أم أن السباق سيستمر، ويبقى جواز السفر مجرد حلم صيفي آخر؟

… والإصلاحات الملكية تنتظر من يفهمها!

وسط هذا العبث، لا يسعنا إلا أن نستحضر التوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة رعاية مصالح مغاربة العالم وتسهيل ارتباطهم بوطنهم. إصلاحات واضحة ورؤية ملكية طموحة وضعت الجالية المغربية في صلب السياسات العمومية.

لكن كعادة الإدارة المغربية، يبدو أن القطار لا يلحق الخطاب. حكومة لا تواكب، وإدارات تتقن التعقيد، ومصالح قنصلية تشتغل وكأنها في عصر الورق الكربوني. في زمن يوصي فيه جلالة الملك بتبسيط الإجراءات، نجد موظفًا يطلب شهادة حياة موقّعة من العرّاف، وآخر يُصرّ على أصل بطاقة تعريف والدٍ متوفى منذ عقود!

ويبدو أن الحكومة فهمت “تبسيط الإجراءات” بطريقتها الخاصة: حذف مكاتب الاستقبال وتعويضها بمواقع إلكترونية لا تشتغل إلا بعد منتصف الليل… في ليالٍ فردية.

فهل ننتظر من الملك أن يُجدّد جوازات سفرنا بنفسه؟ أم ننتظر تعديل القانون حين تكتشف الإدارة، متأخرة كالعادة، أن مغاربة الخارج ليسوا حكاية موسمية تنتهي مع آخر رحلة “مرحبا” في شتنبر؟

ربما نحتاج فعلًا إلى مرسوم ملكي يُلزم الموظفين بقراءة تعليمات الملك، بدلًا من استنساخ مراسلات تعود إلى سنة 1993.

وإلى حين ذلك، نهمس للمعنيين بالأمر: إذا كان جلالة الملك قد اختار أن يُكرّم أبناءه بالخارج، فأنتم لم تجدوا حتى الوقت لتحديث استمارة جواز السفر…

بطاقة منتهية… وعملة صالحة!

وسط هذا الواقع الإداري المعقّد، تبرز مأساة صامتة لفئة من مغاربة العالم من ذوي الجنسية المزدوجة. يأتون إلى المغرب برغبة في الاستثمار أو اقتناء شقة تُؤويهم، أو ببساطة لزرع جذور دائمة في وطنهم الأم. غير أن المفاجأة الصادمة: بطاقة تعريفهم الوطنية منتهية.

في البنك، في المحافظة العقارية، في الوكالة، يُواجهون نفس العبارة الباردة: “لا يمكننا إتمام المعاملة، بطاقتكم منتهية”. وكأن جوازهم الأوروبي لا يُعترف به، وعملتهم الصعبة – التي تتغنى بها تقارير الاقتصاد الوطني – تُجمّد لأن بطاقة بلاستيكية فقدت صلاحيتها!

هل يُعقل أن يُمنع مغربي من تحريك عجلة الاقتصاد لأنه لم يحصل على موعد رقمي؟ هل العملة الأجنبية فقدت صلاحيتها أيضًا، أم أن المشكل محصور في “مقعد شاغر” بموقع إلكتروني؟

مغاربة العالم لا يطلبون امتيازات، فقط إدارة تتعامل معهم كأبناء لا كطالبي إحسان. فهم مستعدون ليضخوا أموالهم، يشتروا، يستثمروا، ويعمّروا. لكن في المقابل، يُطلب منهم بطاقة وطنية أكثر حياة من النية نفسها !

 

11/07/2025

Related Posts