الرباط – كواليس الريف:
رغم حفاظ المغرب على رسوم جمركية منخفضة بنسبة 10% ضمن الإجراءات الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة بمناسبة ما أسمته بـ”يوم التحرير التجاري”، فإن هذه المعاملة التفضيلية تخفي وراءها أزمة تجارية متفاقمة، وعجزاً يزداد سنة بعد أخرى، وفق ما كشفه تقرير اقتصادي حديث.
وأبقت واشنطن على النسبة ذاتها التي يقرها اتفاق التبادل الحر الموقع مع المغرب سنة 2006، مقابل فرض رسوم بـ30% على الجزائر و25% على تونس. إلا أن هذا الامتياز، الذي لطالما رُوّج له كدليل على عمق العلاقات الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن، أصبح بحسب خبراء اقتصاد عبئاً فعلياً على الميزان التجاري المغربي.
فمنذ توقيع الاتفاق، ارتفعت المبادلات التجارية بين البلدين من 1.3 مليار دولار إلى 7.2 مليارات دولار سنة 2024، لكن الأرقام تُظهر اختلالاً كبيراً: فقد تضاعفت الصادرات الأمريكية إلى المغرب ست مرات، في حين لم تتجاوز صادرات المغرب إلى الولايات المتحدة ثلاثة أضعاف، ما أسفر عن عجز تجاري بلغ 3.4 مليارات دولار في عام واحد فقط، أي ما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
ووفقاً للمصادر ذاتها، بلغت واردات المغرب من المنتجات الأمريكية خلال 2024 نحو 5.3 مليارات دولار، مقابل صادرات بقيمة 1.9 مليار دولار فقط، ما وصفه اقتصاديون بـ”الهيموراجيا التجارية” التي تستنزف احتياطات العملة الصعبة وتضعف الاستقلال الاقتصادي للمملكة.
وفي المقابل، يبدو أن الجزائر تمكنت من تحقيق فائض تجاري مع الولايات المتحدة بقيمة 1.5 مليار دولار، رغم الرسوم الجمركية العالية، بفضل استثناء صادراتها من المحروقات من هذه الإجراءات، وهو ما لم يُتح للمغرب الذي يفتقر إلى حماية قطاعية مماثلة.
اتفاق التبادل الحر تحت المجهر
تحوّل اتفاق التبادل الحر، الذي كان يُنظر إليه منذ عقدين كنجاح دبلوماسي غير مسبوق، إلى نقطة خلاف حقيقية في الأوساط الاقتصادية. فقد أظهرت المعطيات أن الاتفاق وضع المغرب في موقع السوق الاستهلاكية المفتوحة أمام المنتجات الأمريكية، دون أن يتمكن من ولوج السوق الأمريكية بنفس الزخم.
ويرجع ذلك إلى الحواجز غير الجمركية، والمتطلبات الصحية والفيتوصحية، إضافة إلى المنافسة الآسيوية الشرسة، التي حدّت من فرص المغرب في قطاعات مثل النسيج والصناعات الغذائية والإلكترونيات.
في المقابل، تغزو المنتجات الأمريكية من الحبوب والمعدات الصناعية والتكنولوجية السوق المغربية بسهولة، ما يعزز التبعية الاقتصادية ويضع المغرب في موقع ضعف تفاوضي، بحسب مراقبين.
رهانات صناعية محفوفة بالمخاطر
أمام هذا الخلل، تراهن الحكومة المغربية على القطاع الصناعي، وخصوصاً صناعة السيارات، كمجال واعد لتقليص العجز. ويدخل إعلان شركة “تسلا” الأمريكية نيتها الاستثمار في المغرب في هذا السياق، إلا أن مراقبين يحذرون من مخاطر هذا الرهان، خاصة في ظل المنافسة الأوروبية والآسيوية الحادة، وغياب سياسة صناعية موجهة نحو السوق الأمريكية.
ضعف استراتيجي وغياب تقييم رسمي
رغم مرور قرابة عقدين على توقيع الاتفاق، لم تُجر الحكومات المغربية المتعاقبة أي تقييم شامل لمخرجاته، ولم تُطرح مبادرات لإعادة التفاوض بشأن بنوده، ما يثير تساؤلات حول غياب الرؤية الاستراتيجية لدى صانع القرار الاقتصادي في البلاد.
ويرى محللون أن الحكومة المغربية، مدفوعة برهانات سياسية تتعلق بدعم واشنطن لقضايا كبرى كموقفها من ملف الصحراء، اختارت الحفاظ على الاتفاق رغم كلفته الاقتصادية، معتبرة أن الخسائر التجارية “كلفة مقبولة” للحفاظ على الدعم الأمريكي.
دعوات لمراجعة الاتفاق
في ظل هذه المعطيات، تتعالى الدعوات لإجراء مراجعة شاملة لبنود الاتفاق، أو على الأقل تكييفه مع المصالح الوطنية المغربية، بما يُعيد التوازن للعلاقات التجارية ويحد من التبعية. ويحذر خبراء من أن استمرار الوضع الحالي من شأنه أن يُحوّل الشراكة المغربية الأمريكية إلى علاقة غير متكافئة، تثقل الاقتصاد المغربي وتُقيد خياراته السيادية.
13/07/2025