في مشهد لا يخلو من سخرية مريرة، أطلقت تنسيقية مدنية مغربية بلاغًا بسيطًا أعاد التذكير بقضية سبتة ومليلية، فإذا بالإعلام الإسباني يضجّ بـ”الإنذارات الحمراء”، وكأن المغرب أرسل أسطولًا إلى مياه المتوسط، لا مجرد بيان شعبي! هكذا، ومن دون صخب، أثبت المغرب مجددًا أن من أراد أن يُذكّر بملف السيادة، لا يحتاج إلى بارجات ولا إلى مناورات عسكرية… يكفيه بلاغ شعبي موزون، ليقلب الطاولة على رؤوس من ظنوا أن ذاكرة الرباط قد شاخت.
اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية، التي اعتقد البعض أن اسمها صار من الماضي، عادت إلى الواجهة بهدوء محسوب… لكنه هدوء أشبه بصوت صفارة إنذار. لم يُعلن عن مظاهرات، ولم تُهدد بحملات، بل فقط نيّة رمزية للتحرّك كانت كافية لتُحدث حالة من الارتباك في مدريد، وتُشعل عناوين الصحف بعبارات من قبيل “تهديد رمزي”، و”تصعيد سياسي خطير”.
التحرك المغربي، الذي جاء في سياق الرد على دعوة الحزب الشعبي الإسباني (PP) لممثلين عن جبهة البوليساريو لحضور مؤتمره الـ21، لم يكن غاضبًا، ولا انفعاليًا. بل جاء كصفعة ناعمة… لكنها مؤلمة في عمقها السياسي. الرباط لم تستدعِ سفيرًا، ولم تُصدر بيانًا رسميًا لاذعًا، بل لجأت إلى ما يُجيد المغرب استخدامه: التوقيت الرمزي، والإشارات الذكية. أعادت تحريك ملف الثغور المحتلة، لتقول: “من يلعب بورقة الصحراء، عليه أن يتوقّع أن تفتح الرباط ملفات الشمال.” وإن كان في مدريد من لا يزال يعتقد أن سبتة ومليلية قد أُخرجتا من المعادلة، فليعيدوا قراءة التاريخ… ويُراجعوا الجغرافيا.
من المثير للدهشة – وربما للشفقة – أن بلاغًا من تنسيقية شعبية استطاع أن يُحدث كل هذا الصدى داخل إسبانيا. بعض وسائل الإعلام تعاملت مع الخبر وكأن المغرب أطلق عملية “عاصفة السيادة”، بينما الحقيقة أنه لم يُطلق سوى تحذير سياسي… ملبّس ببلاغ مدني! هل وصلت الهشاشة الإسبانية في قضايا السيادة إلى حد أن مجرّد “تذكير” يُقلق؟ أم أن مدريد تعلم يقينًا أن هذه الأراضي ليست لها أصلًا، بل هي قنابل مؤجلة في حضن استعمار قديم، يتقن التجميل، ويفشل في التبرير؟
في الوقت الذي انشغل فيه الحزب الشعبي بمغازلة البوليساريو لأغراض انتخابية ضيقة، جاءه الرد المغربي بلغة لا تقبل التأويل: “وحدة المغرب خط أحمر، والثغور المحتلة ليست تفاصيل منسية على هامش الخرائط، بل هي جراح مفتوحة لا تُشفى بالكلام، ولا تُنسى بالتقادم.” لم يكن الرد تهديدًا، بل تذكيرًا ذكيًا بحقائق ثابتة. ومن يرى في ذلك “ابتزازًا”، فليُراجع فهمه للسيادة. المغرب لا يساوم، بل يُنبّه. لا يصرخ، بل يُشير… ويكفي أن يُشير، حتى تستيقظ مدريد من سباتها.
لقد برهنت الرباط، مرة أخرى، أن تحريك الملفات الكبرى لا يحتاج إلى “دراما دبلوماسية”، بل إلى بلاغ محسوب التوقيت والمغزى، قادر على نسف وهم “الاستقرار الاستعماري”. و”التنسيقية”؟ ليست سوى رأس جبل الجليد… تذكير بأن المغرب، وإن صمت، لا ينسى. و”البلاغ”؟ لم يكن سوى ضوءًا سياديًا أحمر… أضاء عتمة الإنكار الإسباني.
13/07/2025