في قلب جبال الأطلس العميقة، حيث الصمت لطالما كان سيّد الموقف، اندلعت شرارة احتجاجية غير مسبوقة من رحم التهميش، حين قررت ساكنة آيت بوكماز أن تُسمِع صوتها للعالم. مسيرة سلمية، امتدت ليومين، قطعها المواطنون سيرًا على الأقدام نحو عمالة أزيلال، حاملين شعارات ليست صاخبة فقط، بل صادقة بقدر ما هي موجعة. مطالبهم؟ الصحة، الطرق، الماء، التعليم، وشبكة إنترنت لا تقطعك عن العالم.
لكن خلف هذا الحراك النبيل، برز صدى سياسي مدوٍّ داخل ردهات السلطة، حين خرج هشام المهاجري، النائب البرلماني وعضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، بتصريحات نارية خلال الجامعة الصيفية لحزبه، محمّلًا حكومة “البيجيدي” السابقة مسؤولية انفجار هذا الغضب الاجتماعي. بنبرة لا تخلو من الاتهام، قال إن الحكومة السابقة تجاهلت الفصل 142 من الدستور، الذي ينص على إنشاء صندوق التأهيل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن هذا الصندوق ظل بلا روح ولا ميزانية حقيقية، رغم إحداثه في 2016 بمدة تمتد إلى 2027.
الأدهى، حسب المهاجري، أن المشروع الذي وُضع لتقليص الفوارق المجالية تم التلاعب به وسط تجاذبات الأغلبية الحكومية السابقة، ليُنتزع من أيدي الجهات المنتخبة ويُسلم لوزارة الفلاحة، في تجاوز صريح للقانون التنظيمي 113.14 الذي يكرس صلاحيات التنمية المحلية لرؤساء الجهات والولاة والعمال.
وفي خضم هذه الزوبعة، أظهر المواطنون في آيت بوكماز وعيًا مدنيًا راقيًا. احتجاجاتهم نالت إشادة واسعة بسبب انضباطها وسلميتها، لتجبر السلطات المحلية على التحرك العاجل. عامل الإقليم نفسه استقبل ممثلين عن المحتجين، متعهدًا بتوفير طبيب قار، وإصلاح الطريق الجهوية 302، وبناء ملعب رياضي، مع زيارة ميدانية مرتقبة للإشراف على تنفيذ هذه الوعود.
غير أن الساكنة، وهي تحتضن أحلامها المتواضعة، تعلم أن الوعود وحدها لا تبني مستشفى، ولا تصلح طريقًا. لذلك، تَشكل المزاج العام من تفاؤل حذر، عبّر عنه فاعلون جمعويون ومنتخبون محليون، مؤكدين أن تنمية المناطق الجبلية لا تقبل أنصاف الحلول، بل تحتاج إلى رؤية واضحة ومقاربة تشاركية تجعل من العدالة المجالية أولوية وطنية حقيقية.
آيت بوكماز اليوم، لم تعد مجرد منطقة جبلية منسية. لقد أصبحت رمزًا حيًا لسؤال أعمق: هل تملك الدولة فعلاً إرادة سياسية لتفعيل مضامين الدستور، أم أن النصوص ستظل حبيسة الأدراج؟
ما جرى هناك أعاد تسليط الضوء على أدوار الجهات، على جدوى الصناديق التنموية، وعلى مدى قدرة المركزية المتجذرة على الاستجابة لتحديات الهامش. في تلك المسيرة الهادئة، كانت الرسالة واضحة: كفى من التهميش، كفى من التسويف، لقد آن الأوان لأن تصعد الجبال إلى سلم الأولويات .
13/07/2025