kawalisrif@hotmail.com

معبر بني أنصار … مرونة استثنائية رغم الضغوط :   التدبير المغربي للحدود يفرض إيقاعه ويكسر الصورة النمطية

معبر بني أنصار … مرونة استثنائية رغم الضغوط : التدبير المغربي للحدود يفرض إيقاعه ويكسر الصورة النمطية

“حسب الصحافة الإسبانية في الثغر المحتل”

بينما اعتادت بعض المنصات الإعلامية الإسبانية اختزال النقاش حول الحدود في مفردات الانتظار والفوضى، جاءت تقارير ميدانية حديثة لتُقرّ، ولو على استحياء، بتحسّن ملموس في انسيابية حركة العبور على مستوى معبر بني أنصار، بفضل التدبير المغربي المُحكم وتراجع الضغط الناتج عن “عملية مرحبا- عبور المضيق” (OPE).

صحيفة محلية بالثغر المحتل لم تجد بُدًّا من الاعتراف بأن تقليص عدد السيارات الوافدة بنسبة قاربت 24%، إضافة إلى انخفاض عدد المسافرين بنسبة 21.6% خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عملية العبور، قد ساهم في تيسير المرور عبر الحدود. غير أن الحقيقة الأعمق تكمن في تعزيز الموارد البشرية المغربية على مستوى الحدود، وضخ وحدات أمنية إضافية للرفع من وتيرة التنظيم وضمان المراقبة الفعّالة، دون تفريط في السيادة أو في مقتضيات السلامة الوطنية.

عشرات الشهادات التي نقلتها الصحافة الإسبانية من داخل طوابير الانتظار صبّت، من حيث لا تدري، في صالح السلطات المغربية. أغلب المسافرين، سواء من أفراد الجالية أو من سكان مليلية المحتلة، أقروا بانخفاض غير مسبوق في زمن العبور. ساعات الانتظار التي كانت تصل إلى 9 ساعات في صيف 2024، باتت لا تتجاوز، في بعض الحالات، ساعة أو اثنتين على أقصى تقدير.

ويرى مراقبون أن هذا التحسّن لا يمكن عزله عن الاستراتيجية المغربية الجديدة في إدارة ملف المعابر، والتي تقوم على فرض السيادة الكاملة، وترشيد تدفقات التنقل، وتفكيك منطق “الحدود المفتوحة كيفما اتفق”، الذي ظل لعقود يخدم مصالح اقتصادية موازية داخل الثغر المحتل.

وفي خطوة لا تخلو من ذكاء جيو-اقتصادي، أصبح ميناء بني أنصار بالناظور يشكّل بديلاً جذابًا أمام فئات واسعة من أفراد الجالية المغربية، الذين فضّلوا المسارات البحرية المباشرة نحو المغرب، على حساب معبر مليلية، هربًا من إكراهات الانتظار والإجراءات المعقّدة بالجانب الإسباني. هذه الدينامية الجديدة قلبت المعادلة الكلاسيكية التي طالما جعلت من مليلية محطة عبور رئيسية، ودفعت العديد من الفاعلين الإسبان إلى دقّ ناقوس الخطر حول مستقبل اقتصاد المدينة المحتلة.

في الجانب المغربي، ورغم المرونة التنظيمية، فإن الصرامة في التفتيش لا تقبل التفاوض. عشرات المسافرين أكّدوا أن عناصر الأمن المغربي لا يترددون في تفتيش السيارات بدقّة، ومنع إدخال الأجهزة الإلكترونية أو المواد الجديدة التي قد تمثل اختراقًا لقوانين الاستيراد. الهدف واضح: ضرب التهريب المقنّع، ودعم السوق الوطنية، وحماية الاقتصاد الوطني من الانفلاتات.

هذه الرقابة، التي اشتكى منها البعض، ليست سوى ترجمة فعلية لعقيدة مغربية تقوم على الانضباط الحدودي، لا على العبور الفوضوي الذي ظل، لبعض الوقت، يمثّل “منفذًا خلفيًا” غير خاضع للضبط الكامل.

واقع الحال يثبت أن المغرب لم يركن إلى أسطوانة التراخي، بل يشتغل على أكثر من واجهة: تحسين ظروف الاستقبال، تأهيل الموارد البشرية، والاستثمار في البنية التحتية للمعابر. وإذا كان البعض في مليلية يُراهن على استعادة الأرقام السياحية من خلال تسويق صور إيجابية عن سرعة العبور، فإن الحقيقة أن التدبير المغربي الصارم والذكي هو من صنع هذه الصورة، لا العكس.

معبر بني أنصار لم يعد كما كان. المغرب يُمسك اليوم بكل خيوط المعادلة، ويعيد رسم حدود المعقول بين الانفتاح والضبط. أما ما تبقّى من “حنين إسباني” لاستعادة الهيمنة الاقتصادية على المنطقة، فهو يتبخّر مع كل سفينة تُفضّل ميناء بني أنصار على موانئ مليلية، ومع كل مواطن يثق في عبور سيادي داخل ترابه الوطني.

فهل تفهم الصحافة الإسبانية أن زمن الابتزاز الحدودي قد ولّى؟ أم أنها ستواصل عزفها المنفرد في نغمة لم تعد تُطرب أحدًا؟

وفي انتظار أن تكتشف بعض الصحف الإسبانية أن المغرب لم يعد يشتغل بمنطق “الردّ الفوري على الحملات”، بل بمنطق النتائج على الأرض، نترك لها متّسعًا من الوقت لترتيب كلماتها القادمة بعناية، لعلّها لا تأتي هذه المرة مبلّلة بالحنين إلى طوابير الانتظار الطويلة التي كانت تُعتبر “مؤشر نشاط”.

13/07/2025

Related Posts