ما إن استعادت سلطات الاحتلال الإسباني أنفاسها بعد إعادة فتح جزئي لمعبر الجمارك التجاري ببني أنصار، حتى تلقت صفعة جديدة من الجانب المغربي، الذي قرر تعليق العمل بالمرفق ذاته مؤقتًا، في خطوة تعكس السيادة الكاملة للمملكة على تدبير معابرها الحدودية، وتُربك حسابات أرباب الاقتصاد في الثغر المحتل.
ففي تصريح يفيض بالمرارة، قال أنطونيو مينا، رئيس هيئة وكلاء الجمارك بمليلية المحتلة، إن “إسبانيا تعود لتنكسر أمام المغرب”، معتبرًا أن قرار إغلاق الجمارك من طرف واحد “يُربك الاقتصاد المحلي” و”يضع الفاعلين الإسبان في وضع هش لا يليق بالشراكة المزعومة بين البلدين”.
وكان المعبر التجاري قد أعيد فتحه بشكل محدود في يناير الماضي بعد إغلاق دام ست سنوات ونصف، وسط آمال إسبانية في استئناف الحركة التجارية. غير أن الحصيلة جاءت مخيبة للآمال: فقط 20 عملية جمركية خلال نصف سنة، نصفها مجرد تجارب، وغالبيتها تخص بضائع ثانوية مثل الثلاجات والأسماك.
يبدو أن المغرب، الذي يمارس سيادة حقيقية على حدوده، يرفض العودة إلى نمط “العبور الفوضوي” الذي كان سائداً قبل 2018. فوفق مصادر ميدانية، جاء قرار التعليق المؤقت للجمارك بسبب التداخل مع عملية “مرحبا”، وحرصًا على انسيابية حركة عبور مغاربة العالم، ما يؤكد أن أولويات الرباط واضحة: خدمة مصالحها الوطنية.
ومع ذلك، تُصر أصوات من داخل مليلية المحتلة على تحويل الموضوع إلى خلاف سياسي. مينا، الذي اعتبر القرار المغربي “أحاديًا وغير منسق”، طالب حكومة مدريد بـ”الضغط على المغرب لاحترام القوانين الدولية”، منتقدًا ما أسماه “قانون القمع على الإسبان والتسهيل للمغاربة”، في إشارة إلى نظام العبور الخاص بالمسافرين.
تعبير “إسبانيا تنكسر أمام المغرب”، الذي ورد على لسان مينا، يكشف عن عقلية استعمارية لا تزال حاضرة داخل بعض الأوساط في الثغر المحتل، رغم التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. فبدلاً من الاعتراف بأن المغرب بصدد فرض تنظيم حدوده بما يتماشى مع مصالحه، يتم تأويل الأمر كـ”تنازل إسباني” أو “إذلال دبلوماسي”.
وفي هذا السياق، يُحذر مينا من غياب أي ضمانات لإعادة فتح المعبر بعد 15 شتنبر المقبل، قائلاً: “اللايقين هو أسوأ ما يمكن أن يحدث للاقتصاد”.
بعض الفاعلين في مليلية، كالمستثمر المغربي يوسف حميتي الذي ضخ أموالاً في تجهيز نقطة التفتيش الجمركي بميناء المدينة، وجدوا أنفسهم أمام قرار سيادي مغربي يضع حدًا لأي محاولات لاستغلال المعبر لأغراض تجارية لا تخدم بالضرورة الطرف المغربي.
أما السلطات الإسبانية، التي التزمت الصمت، فقد فشلت حتى في تحديد موعد للقاء المرتقب بين مندوبة الحكومة وأرباب الاقتصاد المحليين لمراجعة لائحة البضائع، ما يعكس حجم التخبط الرسمي.
تُظهر هذه التطورات أن المغرب يواصل فرض قواعد جديدة في التعامل مع مليلية المحتلة، بعيدًا عن أي منطق استجداء أو تبعية، وهو ما بدأ يُزعج الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين الإسبان داخل المدينة.
14/07/2025