kawalisrif@hotmail.com

إدانة شبكة تهريب الحشيش بين المغرب وإسبانيا :    محاكمة جماعية تكشف خريطة الجريمة في مضيق جبل طارق

إدانة شبكة تهريب الحشيش بين المغرب وإسبانيا : محاكمة جماعية تكشف خريطة الجريمة في مضيق جبل طارق

في أكبر محاكمة جماعية من نوعها خلال السنوات الأخيرة، أصدرت محكمة قادس حكمًا بإدانة 24 شخصًا في إطار شبكة إجرامية متخصصة في تهريب الحشيش من السواحل المغربية نحو جنوب إسبانيا، عبر مضيق جبل طارق. القضية، التي أثارت اهتمام الرأي العام كشفت حجم التنظيم والاحتراف الذي باتت تشتغل به هذه العصابات، في واحدة من أكثر النقاط الجغرافية حساسية في ملف التهريب الدولي.

ورغم أن التحقيقات انطلقت ضد 45 شخصًا، فإن المحكمة حاكمت 38 فقط، بعد استبعاد ملفات بعض المتهمين أو فرارهم من العدالة، لتنتهي المحاكمة بتبرئة 14 منهم لعدم كفاية الأدلة.

التحقيق، الذي قادته الشرطة الوطنية الإسبانية والحرس المدني، انطلق سنة 2021، وأسفر عن توثيق تهريب أكثر من 4.5 أطنان من الحشيش، نُقلت على متن زوارق مطاطية من السواحل المغربية، ثم أُفرغت في شواطئ “الجزيرة الخضراء”، و”طريفة”، و”لوس باريوس”، قبل أن تُنقل إلى أماكن التخزين ومن ثم إلى شبكات التوزيع.

وأظهر الحكم أن المتورطين لعبوا أدوارًا متكاملة: من سائقي الزوارق إلى حراس المستودعات، مرورًا بالسائقين، والمراقبين، والمزودين بالمركبات المزورة، ما يعكس بنية منظمة تعمل وفق منطق “مافيوزي”، تتقاطع خيوطه بين الضفتين.

الأحكام تراوحت بين ستة أشهر وست سنوات من السجن، حسب درجة التورط، مع فرض غرامات ضخمة وصلت إلى 35 مليون يورو على بعض المدانين. ومع ذلك، فإن الحكم لا يزال قابلًا للاستئناف أمام المحكمة العليا في الأندلس.

ورغم أن المحكمة لم تُحدد قائدًا واضحًا للشبكة، إلا أن مصادر قضائية رجّحت أن العقل المدبر قد يكون المدعو “عبد الله الحاج صادق الميمري”، الملقب إعلاميًا بـ”ميسي الحشيش”، والذي سبق أن وُصف بكونه من أخطر المهربين بين المغرب وإسبانيا.

أحد أبرز فصول المحاكمة يتعلق بمحاولة أحد المتهمين دهس سيارة تابعة للحرس المدني أثناء مطاردة ليلية قرب نهر “بالمونيس”، ما أدى إلى إصابة عنصرين من الأمن وتدمير السيارة الرسمية.

كما وثّقت المحكمة مشاهد لزوارق تفرّ إلى عرض البحر، تاركة خلفها أطنانًا من الحشيش بعد فشل عمليات الإنزال.

في المقابل، تم تبرئة 14 متهمًا لغياب أدلة ملموسة تدينهم، من بينهم شباب من مدينة “فونخيرولا”، كانت النيابة العامة قد طالبت بسجن كل واحد منهم لثماني سنوات، وغرامات خيالية بلغت 30 مليون يورو للفرد، بتهمة الانتماء لشبكة إجرامية.

رأت المحكمة أنه لا توجد مكالمات أو بصمات أو تسجيلات تُثبت وجودهم في مسرح الجريمة، كما أن ملابسهم لم تكن مبتلّة، ما يُضعف فرضية مشاركتهم في تهريب ليلي عبر البحر، رغم تواجدهم في محيط العملية.

تعكس هذه المحاكمة طبيعة التهديد الذي تُشكّله شبكات التهريب الدولية على صورة البلاد، إذ تحوّل الحشيش المغربي إلى سلعة تُدار بعقلية “التصدير غير المشروع”، تُستخدم فيها السواحل كمنصات انطلاق، بينما تتحوّل الأراضي الإسبانية إلى موانئ استلام وتوزيع، في غياب تنسيق أمني صارم يضبط الحدود البحرية والجوية معًا.

المضيق، الذي كان عبر التاريخ نقطة وصل حضاري، بات اليوم نقطة تصادم بين منظومتين أمنيتين، وملفًا معقّدًا في العلاقات المغربية الإسبانية، يفرض على الطرفين إعادة تقييم أدوات الاشتغال وتبادل المعلومات، عوض الاقتصار على مطاردات بحرية وبلاغات موسمية.

في ظل ارتفاع عدد المحاكمات المرتبطة بالتهريب، وتزايد الأدلة على تورّط شبكات متعددة الجنسيات، يبقى السؤال الحرج: هل تملك المنطقة استراتيجية مشتركة عابرة للحدود، أم أن الأمور ستظل رهينة ردود الفعل بعد كل عملية ناجحة أو إحباط عابر؟

الجواب لا يزال في الانتظار… ريثما تنتهي الحلقة المقبلة من مسلسل “الحشيش بين الضفتين”.

لكن، وقبل أن تُسدل الستارة على هذا الفصل القضائي، لا بد من التذكير بنهاية تصلح لفيلم ساخر أكثر منها لتقرير جنائي: فالحشيش المغربي الذي يُصادَر على الأراضي الإسبانية، لا يُحرق كما يحدث عادة في المغرب، بل يُخزّن، ويُصنَّف، ثم يُباع في مزادات علنية لصالح مختبرات الأدوية، وأحيانًا يُعاد توجيهه “علميًّا” في إطار تجارب صناعية وطبية.

أما المهربون، فلا يُقذف بهم دائمًا خلف القضبان، بل يُخيَّر بعضهم – بعد دفع “المعلوم” من الغرامات السخية – بين البقاء في السجن أو شراء حريتهم بأموال الحشيش نفسه.

 

14/07/2025

Related Posts