الصحافة الإسبانية تصرخ: لجنة “تحرير سبتة ومليلية” توسّع المهام… من مقاومة الاحتلال إلى تطهير الريف من “الميكروبات الانفصالية”… لكنها تنسى أن الثغور المحتلة نفسها جزء من الريف المغربي !
في مشهد مثير للسخرية والدهشة، عادت لجنة “تحرير سبتة ومليلية” المغربية إلى الواجهة عبر نوايا ترافعية، لكن هذه المرة بحمولة سياسية موسّعة تجعل من مهمة التحرير مشروعًا متعدد المهام، أشبه بمكنسة سحرية تمسح الاحتلال والانفصال في آنٍ واحد. فالمدينتان المحتلتان، إلى جانب باقي الثغور الشمالية، لم تعودا وحدهما على جدول أعمال اللجنة؛ بل لحق بهما “الريف المغربي”… هذه المرة ليس للتحرير من استعمار أجنبي، بل من “نوايا مشبوهة”.
وإن كانت الرباط قد رفعت، كما أورد الإعلام الوطني، سقف المواجهة مع مدريد من خلال إعادة إحياء اللجنة، حسب تعبيرها، فإن بعض المنابر الإسبانية دخلت في موجة هستيرية من التحليل والتهويل. إحدى الصحف شبّهت الأمر بـ”إسهال دبلوماسي مفاجئ”، في إشارة إلى توالي المواقف المغربية الحاسمة، ما جعل أقلام مدريد تبحث سريعًا عن “ورق التواليت” السياسي وسط ارتباك حكومي لا يزال مخيّمًا على المرحلة الانتقالية في إسبانيا.
في الوقت الذي تُجمِع فيه الجهات الرسمية المغربية على أن سبتة ومليلية هما “ثغور محتلة”، عاد النقاش هذه المرة ليطال الريف… ذاك الجزء الأصيل من الجغرافيا المغربية الذي لم يغفر له البعض تاريخه المقاوم، من أنوال إلى يوم الناس هذا.
المفارقة أن اللجنة، التي ستشُكّل في الأصل لتحرير ما تبقى من التراب المغربي تحت الاحتلال الإسباني، والتي تنوي العودة في سياق سياحي وترافعي رغم الانتقادات الموجهة لتدبيرها ولبعض الأسماء المطروحة، أُنيطت بها الآن أيضًا مهمة “ضبط الداخل”، خصوصًا في ما يُعرف بـ”تفكيك المشاريع الانفصالية المدعومة خارجيًا”. والمقصود هنا، بشكل غير خفي، تلك التحركات التي تعتبرها الدولة تهديدًا لوحدتها الترابية، لا سيما في الشمال.
فهل أصبح الريف المحتل والمغتصب من قبل إسبانيا (سبتة، مليلية، والجزر المحتلة) متساويًا مع الريف المغربي “المزعج” سياسيًا في نظر بعض الفاعلين؟ أم أن الرباط تحاول ببساطة تنظيف الطاولة من كل “أوراق الشغب” قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض مع مدريد؟
من منظور مغربي صرف، فإن هذه الخطوة تأتي كردّ صارم على المراوغات الإسبانية المتكررة، خصوصًا مع محاولة الحزب الشعبي استغلال ورقة الاحتلال كورقة انتخابية. المغرب هنا لا يناور، بل يذكّر مدريد بأن سبتة ومليلية ليستا مجرّد جزر في الخارطة، بل رمزان للسيادة الوطنية، وأي استخفاف بهما هو عبث بتاريخ طويل من الكفاح الوطني.
وحسب الإعلام الإسباني، الذي أصيب بـ”داء الكلب”، ترى الرباط في توسيع صلاحيات اللجنة وسيلة لإغلاق كل الثغرات السياسية، سواء تلك المفتوحة على الشاطئ المتوسطي، أو تلك المتسلّلة عبر الأصوات الجهوية المنفلتة. فالدولة التي تطالب بحقوقها في المحافل الدولية، لا يمكنها أن تترك الجبهة الداخلية مفتوحة على الفوضى.
من المؤلم أن يعتقد البعض أن تحرير الأرض يتم عبر لجان مكيّفة الهواء، أو عبر أوراق ناعمة تُدوَّن فيها الأهداف وتوزّع في المكاتب. الحقيقة أن سبتة ومليلية، ومعهما كل الثغور الشمالية، ليست مجرد “أراضٍ محتلة”… بل هي جزء حيّ من الريف المغربي، امتداد جغرافي وتاريخي لا يقبل التجزئة.
وإذا تجاهل البعض هذه الحقيقة، فذلك إما جهلٌ بالجغرافيا، أو محاولة لتفريغ القضية من عمقها. الريف، بما فيه الثغور، ليس مشكلة يجب تطهيرها… بل قضية يجب تحريرها.
نعم، يمكن للجنة أن تكتب وتدوّن وتصرّح… لكن ما لم تتحرك الجغرافيا السياسية، ويشتد الحبل الدبلوماسي، وتلتحم المطالب الشعبية مع المواقف الرسمية، فستبقى القضية تُتداول بين الصالونات والندوات، مثل كرة في مباراة لا تنتهي. إلى ذلك الحين، سيتواصل الإسهال في مدريد… وسنظل نحن ننتظر تحريرًا يخرج من الورق، ويعانق الأرض.
14/07/2025