في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحت شعار “تشجيع الرياضة والانفتاح على الطفولة والشباب”، يستعد إقليم الدريوش لاحتضان ما بات يُعرف بـ”الملتقى الأول للرياضات”، مشروع ضخم يشمل جميع الجماعات الترابية بالإقليم. للوهلة الأولى، حيث كان من تخطيط العامل السابق محمد روشدي ، وتنفيذ من الكاتب العام الحالي للعمالة ، ويبدو الأمر واعدًا، لكن عند الغوص في التفاصيل، سرعان ما تتكشف رائحة صفقة مفصلة بدقة على مقاس خاص… كأنها بذلة أنيقة بخياطة سياسية راقية، لكن بجيب ممزق يُستخرج منه مال عام بلا رقيب.
المشروع، الذي رُصدت له ميزانية تُناهز مليون درهم (بالضبط: 955.000 درهم)، يطرح أسئلة حارقة حول الجهة التي ستشرف على تنفيذه. المفاجأة ؟ الجمعية “المحظوظة” التي ستتولى التدبير يرأسها محمد أبحري، “الموظف السامي” بقسم الجماعات المحلية بعمالة إقليم الدريوش … أي أن المشروع خرج من الإدارة، ليدخل إلى الإدارة، مرورًا بجمعية في “جيب السترة”.
وبحسب الوثائق الرسمية، فإن المشروع يسعى إلى “تشجيع الأطفال والشباب على ممارسة الرياضة، ومحاربة الانقطاع المدرسي، وربط الجسور مع المؤسسات التعليمية”. أهداف براقة تُكرّرها البرامج والمبادرات منذ سنوات، لكنها تنهار أمام سؤال بسيط: من قرّر؟ من راقب؟ من اختار أو سيختار؟
في إقليم يزخر بجمعيات تُصارع الهشاشة والتهميش، جاءت هذه “الصفقة الرياضية” وكأنها طُبخت على نار هادئة لتُقدَّم ساخنة لجمعية بعينها، وُلدت وكأنها من رحم “المبادرة”، لكن برعاية كاملة من داخل الإدارة ذاتها.
ميزانية موزعة … لكن بمنطق “ادفع واصمت”؟
-150.000 درهم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
-135.000 درهم من المجلس الإقليمي
-670.000 درهم من الجماعات الترابية، التي ساهمت كل منها بمبالغ تراوحت بين 20.000 و35.000 درهم .
وهنا السؤال الحاسم: هل فعلاً عبّرت هذه الجماعات عن إرادة حرة في التمويل؟ أم أن التوقيع كان تحصيل حاصل في جلسة لا يُناقش فيها إلا “من يدفع أكثر” ؟
وفق السيناريو الرسمي، ستتولى الجمعية:
-المواكبة والتاطير
-تنزيل فقرات الملتقى
-وضع الإشارات في الملاعب
-التنسيق مع المؤسسات التعليمية
لكن المفارقة الكبرى أن طلب إبداء الاهتمام لم يُعلن إلا بعد أن اكتملت “الطبخة”، وكأن نشره جاء فقط لتجميل الواجهة أمام الرأي العام. فأين هي الشفافية؟ هل طُرحت صفقة التأطير في إطار طلب عروض مفتوح؟ هل نُشرت معايير الانتقاء؟ أم أن من صاغ الطلب هو نفسه من ظفر به؟
حتى تاريخ نشر إعلان “إبداء الاهتمام” – 25 يونيو 2025 – تزامن مع انطلاق المشروع نفسه، في مفارقة زمنية تُظهر قدرة “الجمعية البصيرة” ليس فقط على قراءة المستقبل… بل على كتابته مسبقًا بتوقيع داخلي وعين مغمضة.
قد لا يحمل المشروع خروقات قانونية صريحة، فكل شيء موثق ومدعوم بمراسلات وتواقيع. لكن كثيرًا من هذا “القانوني” كُتب اليوم بحبر الزبونية والمحسوبية، وأُلبس عباءة التنمية لتمرير ما لا يمرّ في وضح النهار.
“الملتقى الأول للرياضات” لا يبدو مجرد مشروع شبابي تنموي، بل أقرب إلى تمرين محكم في رياضيات توزيع الغنائم، حيث تُمنح الصفقات تحت الطاولة، وتُضاء الشعلة الرسمية في القاعة الخطأ.
وقبل انطلاق الألعاب الأولمبية بـ”الدريوش”، يبدو أن الجمهور قد عرف النتيجة مسبقًا، حتى قبل أن تُعطى صافرة البداية. فكل الجمعيات ستكون مجرد أرانب سباق، تُركض في المسار فقط لتُمنح “البطولة” في النهاية لرئيس الجمعية، البطل الأولمبي الجديد محمد أبحري، الذي ينافس في تخصص “الرياضة السباعية للإدماج الإداري المالي”، في محاولة لتحطيم الرقم التاريخي للبطلة السورية غادة شعاع… لكن في القفز العالي فوق القانون.
14/07/2025