kawalisrif@hotmail.com

تصعيد رقمي خطير :   حملات عنصرية تستهدف مهاجرين مغاربة في بلدة “تورّي باتشيكو” الإسبانية

تصعيد رقمي خطير : حملات عنصرية تستهدف مهاجرين مغاربة في بلدة “تورّي باتشيكو” الإسبانية

في مشهد يعكس تصاعد المد العنصري في الفضاء الرقمي الإسباني، شهدت بلدة “توري باتشيكو” التابعة لإقليم مورسيا نهاية أسبوع متوترة، بعدما تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى منابر تحريض مباشر على مهاجرين، معظمهم من أصول مغربية، من خلال نشر أخبار زائفة وصور وفيديوهات مفبركة أو مجتزأة، في ما يشبه “مطاردة منظمة للمهاجر”.

الشرارة التي أشعلت فتيل هذه الحملة كانت واقعة اعتداء على أحد السكان المحليين فجراً، حيث أورد الضحية أن المهاجمين المفترضين شبان من أصول مغربية. وسرعان ما تحولت هذه الحادثة المعزولة إلى وقود لحملة رقمية أطلقتها حسابات متطرفة، على رأسها حساب السياسي اليميني المتطرف ألويس بيريز ، الذي نشر صورًا وبيانات لأشخاص اتُّهموا بالاعتداء دون أي تأكيد رسمي. وعلى الرغم من أن المنشورات حُذفت لاحقًا، إلا أن الرسالة كانت قد وصلت وانتشرت كالنار في الهشيم.

مقاطع فيديو مزيفة وأخرى خارجة عن سياقها بدأت تغزو هواتف المراهقين والمتطرفين الذين قدموا من خارج البلدة، وهم مدفوعون برسائل على “تلغرام” تدعوهم إلى “استعادة السيطرة حيًا بحي”، وشعارات من قبيل “لا مزيد من التخاذل، لا مزيد من الإفلات من العقاب”، في ما يبدو أنه استنساخ لخطاب نازي محدث.

السبت والأحد، شوهد عشرات الملثمين يجوبون شوارع البلدة ليلًا وهم يحملون العصي والسكاكين في “حملات مطاردة” صريحة ضد مهاجرين. وهي مصطلحات استخدمتها جهات يمينية متطرفة للتعبير عن رغبتها في “تأديب” الأجانب، بدعوى أن الدولة تخلّت عن واجبها في حماية المواطنين.

من بين أبرز الأكاذيب التي تم تداولها، فيديو لاعتداء عنيف على شخص مُشرد في مدينة ألمرية نُسب زورًا إلى مهاجرين في “توري باتشيكو”، رغم أن المعتدين في المقطع إسبان وتم اعتقالهم بالفعل. وحتى صورة لرجل عجوز ينزف من وجهه بسبب سقوط عرضي في مدينة “ال ألغار”، حُرّفت لتُقدَّم كدليل على “اعتداء جديد من مهاجرين على الشيوخ”. كل هذا، وسط صمت أو تواطؤ ضمني من شخصيات سياسية محسوبة على اليمين المتطرف.

التحقيقات التي أجراها خبراء رقميون كشفت عن تورّط قنوات منظمة على “تلغرام”، أبرزها شبكة “Deport Them Now”، التي تنشط عبر أكثر من 500 قناة فرعية حسب المناطق الإسبانية، وتنشر محتوى يحض على الكراهية ويمجّد رموزًا نازية. هذه القنوات لا تكتفي بالبروباغندا الرقمية، بل تُستخدم أيضًا لتنسيق تحركات ميدانية وتحريض ميداني مباشر.

مارسيلينو مادريغال، خبير الأمن السيبراني، أكد أن هذه المجموعات تُظهر نمطًا شبيهًا بأساليب الدعاية الروسية الموجهة، مستغلين ضعف الرقابة في تطبيقات مثل “تلغرام” التي لا تخضع لضوابط فعالة ضد خطاب الكراهية.

التحريض لم يقتصر على “تلغرام”، بل بلغ منصة “يوتيوب” التي تحوّلت إلى حاضنة لمقاطع تُروّج لأكاذيب عن المهاجرين، بعضها يخالف بشكل صريح قواعد المنصة ضد التحريض والعنف. وبينما تؤكد شركة “غوغل” أن الفرق المتخصصة تراجع هذه المحتويات فور الإبلاغ عنها، إلا أن وتيرة الانتشار السريعة تجعل الأذى واقعًا قبل أي تدخل فعلي.

ما جرى في “توري باتشيكو” ليس حدثًا معزولًا، بل مؤشر على تنامي تيارات الكراهية التي تجد في شبكات التواصل الاجتماعي أرضًا خصبة لتجنيد الغاضبين، وتأجيج الغرائز العنصرية، وتوجيه الرأي العام ضد الجاليات المهاجرة، خصوصًا المغاربية منها.

وفي غياب تدخلات صارمة من الحكومة الإسبانية أو حملات مضادة وفعالة، يبقى المهاجرون الحلقة الأضعف في مشهد تتسارع فيه وتيرة التطرف وتضييق الخناق على التعددية الثقافية في إسبانيا.

14/07/2025

Related Posts