كشفت سلطات الحرس المدني الإسباني النقاب عن عملية مثيرة، أبطالها ليسوا هذه المرة من الشبكات المحلية أو المراهقين الهامشيين، بل “سائح بريطاني متقاعد” يبلغ من العمر 69 عاماً، حاول تهريب كمية ضخمة من الحشيش المغربي، مخبأة بعناية في سقف سيارته، أثناء عبوره من سبتة المحتلة إلى ميناء الجزيرة الخضراء.
العملية التي وُصفت بالاحترافية في الإخفاء، تم إحباطها بفضل يقظة وحدة مكافحة المخدرات الإسبانية، التي لم تنطلِ عليها واجهة “السائح الأوروبي المتقاعد” ولا لوحات السيارة البريطانية. الرائحة المنبعثة من المركبة التي كانت تبدو عادية، أيقظت شكوك الكلاب البوليسية، لتفضح الستار عن أكثر من 62 كيلوغراماً من الحشيش، موسومة بعلامات تجارية دولية مثل Dream Gelato وCereal Milk، في دلالة صريحة على ارتباط العملية بسوق المخدرات العالمية.
اللافت أن التوقيت لم يكن عشوائيًا؛ العملية جرت في قلب “عملية مرحبا”، حيث يعبر عشرات الآلاف من مغاربة العالم وأوروبيي الضفتين يوميًا عبر المعبر الحدودي لسبتة المحتلة. وهو ما يجعل من هذه المرحلة الزمنية، أرضًا خصبة لنشاط المهربين، الذين يراهنون على زحمة السفر وفوضى التفتيش كغطاء لتمرير سمومهم.
وفي نفس اليوم، أعلنت السلطات المغربية عن إحباط محاولة تهريب أخرى بطلها مواطن إيطالي، ما يعزز فرضية تنسيق دولي بين عصابات منظمة، تتقاطع خطوطها عند معابر مثل سبتة وميناء طنجة المتوسط، وتستغل جغرافيا مضيق جبل طارق كمعبر استراتيجي لربط شمال إفريقيا بالأسواق الأوروبية.
هذا الواقع يعيد طرح تساؤلات جوهرية حول جدوى البنية الأمنية المعتمدة في مدينة سبتة المحتلة، التي تحوّلت فعليًا إلى نقطة عبور مفضلة لدى شبكات التهريب، مستفيدة من هشاشة الرقابة وتضارب المهام بين الأجهزة الإسبانية، في منطقة أصلاً موضع نزاع سياسي بين الرباط ومدريد.
من منظور مغربي، فإن هذه الوقائع لا تمس فقط بالأمن، بل بصورة المملكة أيضًا، حين تُستغل أراضيها كمصدر للتهريب من طرف أجانب، ضمن شبكات دولية عابرة للجنسيات، حيث تتحوّل “السياحة الأوروبية” إلى غطاء لتهريب الحشيش، وتتحول سيارات “الكرفان” إلى قوافل لنقل الممنوعات.
ما يجري يكشف تحوّلاً مقلقاً في مشهد التهريب، فالمهربون الجدد ليسوا مغاربة فقراء أو حالمين بالهجرة، بل رجال ونساء من أوروبا، بعضهم متقاعد، بعضهم يبدو “نظيف السجل”، لكنهم يدخلون سوق التهريب من بوابة الربح السريع، مستفيدين من صفة “أوروبي سائح” التي تُعتبر، في ذهن البعض، بمثابة “جواز مرور” بلا تفتيش.
في ضوء هذه التطورات، تبرز الحاجة الملحّة إلى تنسيق مغربي-إسباني حقيقي، بعيداً عن الحسابات السيادية العقيمة، يقوم على تبادل المعلومات وتكثيف الإجراءات الاستباقية، لا سيما خلال فترات الذروة. لأن السؤال المطروح اليوم لم يعد ما إذا كانت هناك محاولات تهريب، بل: كم منها يمر دون أن يُكتشف؟
فهل نشهد خلال الأسابيع المقبلة تغيّراً في نمط المراقبة، أم يستمر مسلسل “السياح المهربين” في عرض حلقاته من بوابة سبتة المحتلة نحو قلب أوروبا؟
ما حصل ليس مجرد حادث معزول، بل هو مؤشر على ظاهرة آخذة في التنامي، تستدعي حوارًا جديًا حول سبتة المحتلة، ليس فقط كمنطقة متنازع عليها سياسيًا، بل كمنطقة رمادية أمنيًا، تُستغل لتهريب ما لا يمكن تهريبه من باقي المنافذ.
14/07/2025