سبتة – كواليس الريف :
في مسرحية أخرى من مسرحيات “الهيبة الإمبراطورية المتقاعدة”، نظّمت السلطات الإسبانية في سبتة المحتلة عرضًا بروتوكوليًا خالصًا لتسليم وتسلم قيادة زورق الدورية الحربي “إيسلا دي ليون”، التابع لأسطول لا يبدو أنه تلقى بلاغًا بانتهاء زمن الاستعمار.
المشهد بدا كأنه مقتطع من زمن غابر، حين كانت الإمبراطوريات تتباهى بسفنها في مستعمرات العالم الثالث. حضر الحدث رئيس المدينة المحتلة خوان فيفاس – المتمسك بمنصبه كحارس رمزي لحامية انتهت صلاحيتها – إلى جانب مندوبة الحكومة المركزية سالفادورا ماتيوس، ليستقبلا بكل وقار عسكري وابتسامات مصطنعة الملازم البحري فرانثيسكو خافيير موراليس غارسيا، القائد الجديد للزورق، وخلفه خايمي غارات، في حضرة القبطان البحري ميان نييرا، الذي ما زال يعتقد، ربما، أن مياه المتوسط في تلك النقطة إسبانية بالتاريخ لا بالجغرافيا.
أما المراسيم؟ فقد كانت كما جرت العادة: أوسمة، تصفيق، طقوس مملة مشبعة بهالة “العظمة البحرية”، وجملة من الابتسامات الرتيبة التي لا تخفي شعورًا غامضًا بالفراغ، وكأن الجميع يتساءل: ما جدوى كل هذا؟ وما الذي نحتفل به بالضبط؟
وفيما كان القادة يتبادلون الشعارات والكلمات المنمقة، كانت ملفات أكثر استعجالًا – كملف معبر “تاراخال”، أو التمييز العنصري ضد سكان المدينة من أصول مغربية، أو حتى أزمة السلع وتهريبها – مركونة على الرفّ، في انتظار التفاتة قد لا تأتي.
المفارقة الساخرة أن كل هذا الاستعراض تم في مدينة مغربية لا يزال أهلها يُعاملون كزوار غير مرحب بهم، رغم أنهم أصل الأرض وظلّها. سكان سبتة الحقيقيون – المغاربة الذين لا تُلتقط صورهم في الاحتفالات ولا تُقرأ أسماؤهم في نشرات الأخبار – تابعوا من بعيد “العرض”، وهم يحملون في قلوبهم أسئلة لا تحتاج إلى ترجمة: من يحكم من؟ ومن يحتفل بماذا؟
وحده التاريخ يعرف أن مثل هذه المشاهد لا تغيّر حقائق الجغرافيا. وإذ تستمر مدريد في استعراض عضلاتها البحرية فوق أطلال استعمار بائد، يبقى الزورق الحربي مجرّد قطعة حديد تُجرُّ عبر واجهة المتوسط، فيما الحكاية الحقيقية تُكتب من جديد، على ضفاف النضال المغربي من أجل السيادة الكاملة.
وبين كل احتفال وآخر، لا تزال إسبانيا تنحت وجودها في سبتة بقلم رملي هشّ، وتكتب رواية حضورها العسكري في زمن تلاشت فيه شرعية البنادق… والاحتلال.
14/07/2025