kawalisrif@hotmail.com

مضيق جبل طارق تحت المجهر مجددًا :    مدريد تلوّح بالتصعيد والمغرب يُذكّر بسيادته على المنطقة

مضيق جبل طارق تحت المجهر مجددًا : مدريد تلوّح بالتصعيد والمغرب يُذكّر بسيادته على المنطقة

في فصل جديد من فصول التوتر الدبلوماسي والعسكري بين المغرب وإسبانيا، عادت المياه المحيطة بمضيق جبل طارق وجزيرة ليلى (تورة) إلى واجهة الأحداث، بعدما سجلت مؤشرات تصعيد غير مسبوقة من الطرف الإسباني، يقابلها تمسك مغربي ثابت بحقوقه السيادية التاريخية على ثغوره المحتلة.

التحركات بدأت عقب مشاركة لافتة لممثل “جبهة البوليساريو” في مؤتمر الحزب الشعبي الإسباني، ما اعتبرته الرباط استفزازًا صارخًا. وردًا على ذلك، اتخذ المغرب سلسلة من الخطوات الرمزية والسياسية، أولها إغلاق المعابر الجمركية في سبتة ومليلية، في توقيت حساس يتزامن مع ذروة “عملية مرحبا”، ما فُسر كرسالة واضحة إلى مدريد بأن زمن المجاملات قد ولّى.

في خضم هذا السياق، أعلنت “تنسيقية الدفاع عن القضايا الوطنية”، المعروفة سابقًا باسم “لجنة تحرير سبتة ومليلية”، عن نيتها تنظيم لقاء رمزي بجزيرة ليلى. ورغم أن النشاط لم يُنفّذ فعليًا بسبب أحوال الطقس، فإن نشر صور رمزية لأعضاء التنسيقية وخلفهم الجزيرة، كان كافيًا لإحياء ذاكرة مغربية جماعية، لا تنسى أن لها حقوقًا تاريخية ممتدة من طنجة حتى تخوم البحر الأبيض المتوسط.

بالتوازي، وجّه حزب الاستقلال المغربي رسالة سياسية مباشرة إلى القيادة الإسبانية، دعا فيها إلى موقف واضح يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، باعتباره مدخلًا عقلانيًا لتصفية بؤر التوتر التاريخية بين البلدين.

ردّ مدريد لم يتأخر كثيرًا، فجاء على شكل نشر الفرقاطة الحربية “فورور” قرب جزيرة “بني وطيس” (الصخر المحتل)، في مشهد أعاد للأذهان سياسة استعراض العضلات التي وُئدت بعد قمة أبريل 2022 بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز.

التصعيد لم يقتصر على الأرض والبحر، بل وصل إلى الشاشات، حيث بُثّ وثائقي حول أزمة جزيرة ليلى سنة 2002، حين استرجع المغرب السيادة عليها بشكل مؤقت، قبل تدخل عسكري إسباني لإعادة “الوضع القائم”. الوثائقي أثار غضب الرباط، التي حاولت دون جدوى منع بثّه، ما يؤكد أن الإعلام الإسباني لا يتورع عن نبش ملفات استعمارية، كلما شعر بارتباك سياسي داخلي.

المثير في المشهد أن هذه التحركات الإسبانية تتزامن مع تصاعد التوترات الاجتماعية في الداخل، خاصة في بلدية “توري باتشيكو”، حيث وقعت صدامات بين مغاربة ومجموعات متطرفة. حادثة تعيد إلى الأذهان سيناريو “إل إيخيدو” سنة 2000، حين وظفت مدريد تلك الفوضى لتمرير أجندات سياسية ضد المهاجرين.

الرباط، من جانبها، تتابع هذه التوترات عن كثب، وتدرك أن كل ضعف داخلي إسباني يُترجم خارجيًا بتحرشات رمزية أو عسكرية ضد المغرب، كما كان الحال في العقود الماضية.

ورغم أن إسبانيا لا تزال رسميًا تدعم خطة الحكم الذاتي المغربية، فإن ازدواجية مواقف بعض الأحزاب، خصوصًا الحزب الشعبي، تكرّس خطابًا كولونياليًا متجاوزًا. بالمقابل، المغرب يُراكم أوراق الضغط المشروعة: إغلاق الحدود، تحريك التنسيقيات الوطنية، تقليص التنسيق الأمني… وكلها خطوات تُعيد إلى الواجهة ملف الثغور المحتلة باعتبارها آخر جيوب الاستعمار الأوروبي في القارة الإفريقية.

في الوقت الذي تلوّح فيه مدريد بأساطيلها، يردّ المغرب بتذكير بسيط وموجع: الشرعية التاريخية لا تُقصف ولا تُخمد بالدبابات. فرغم أن العلم المغربي لا يرفرف حاليًا فوق جزيرة ليلى، إلا أن مجرد التلويح به يُربك المؤسسة العسكرية والسياسية في إسبانيا، ويُعيد النقاش إلى جوهره: من يملك الحق؟ ومن يحتل الأرض؟

بعيدًا عن ضجيج الإعلام الإسباني، ما يجري في مضيق جبل طارق ليس سوى تجلٍ جديد لتحوّل المغرب من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة. فالمملكة، بحكم موقعها الاستراتيجي وقوتها الناعمة وصلابة موقفها في قضية الصحراء، لم تعد تُقايض على سيادتها.

14/07/2025

Related Posts