في عرض سياسي غير مسبوق، شهدت قاعة الوحدة بالناظور زلزالاً تنظيمياً حقيقياً خلال مؤتمر الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي، بعدما ألقى النائب البرلماني محمد أبركان كلمة وُصفت بـ”القوية والمزلزلة”، أربكت موازين القوى الداخلية، وأخرجت الكاتب الأول إدريس لشكر عن طوره، وجعلته في موقف المتفرج الحائر أمام تصدع جبهته التنظيمية.
الكلمة التي ألقاها أبركان لم تكن مجرد خطاب، بل كانت صولة فارس قديم في معركة وردية فقدت ألوانها، وكأن الرجل قرر أن يُجري عملية جراحية سياسية عاجلة لقلب الحزب بالإقليم، مستعيناً بخبرة رجل عاش البحار وخبِر العواصف، وراح يذكّر الجميع أنه “ما زال هنا”، بقواعده، ووفائه لهياكله، وبحضور جماهيري أتى معه لا ليسمع، بل ليؤكد أنه رقم صعب في معادلة الحزب المنهك.
في المقابل، حاول سليمان أزواغ، بوجهه الباهت وكلماته الفضفاضة، أن يلعب دور “الخصم الواعد”، مستحضراً في كلمته عبارة “العرس السياسي” لوصف المؤتمر، وكأنه عريسٌ حضر ببدلة مستعارة إلى مأدبة لا يعلم أن وليمتها ستنتهي بركلة سياسية. حضوره بدا شاحباً، لا يسنده سوى دعم قادم من “دواليب الأسواق”، بروائح إشوماي وبعض الابتسامات الباردة من أنصار لم يعرفوا هل جاؤوا للمؤتمر أم لسوق أسبوعي.
أما إدريس لشكر، الذي دخل القاعة محمّلاً بأمل لملمة الجراح التنظيمية، فقد فشل في استمالة المناضلين، خصوصاً أنصار تيار أبرشان الذين ظلوا على موقفهم، رافضين ما اعتبروه “مناورة فوق الطاولة”. عجز لشكر عن ضبط الإيقاع، وبدت محاولاته لإعادة الدفء إلى الصفوف بمثابة صراخ في الفراغ، قبل أن يُفسح المجال مضطراً للمنصة، في مشهد يوحي بانهيار السيطرة التنظيمية، إلى أن تدخّل محمد أبرشان وأعاد بسط النظام، لتُستأنف أشغال المؤتمر على إيقاع جديد كتبه بحبر الصلابة والشرعية الشعبية.
وإن كانت المفاجأة الكبرى قد أتت من فم الكاتب الأول نفسه، حين نطق معلناً: “محمد أبركان هو كاتبنا الإقليمي ومرشح الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة”… إلا أن الارتباك سرعان ما فضح النوايا، حين زلّ لسانه ونادى أزواغ باسم “سليمان الدرهم”، في سقطة لم تكن لغوية فحسب، بل سياسية بامتياز! سقطة دفعت البعض في القاعة للهمس ساخرين: هل طغت عملة “الدرهم” على بال قائد الاتحاد؟ وهل أثقل وزن الظروف السمينة ميزان الذاكرة، حتى صار الاسم يُشترى مثل الأصوات؟
“العرس السياسي” الذي بشّر به أزواغ، تحوّل في الواقع إلى مأتم تنظيمي، حيث سقطت فيه الأقنعة، وظهرت الصراعات الداخلية على حقيقتها، بينما أبرشان كان يرقص على إيقاع وعيه السياسي ومراكبه التي يعرف جيداً متى تُبحر ومتى ترسو.
رسالة أبركان كانت واضحة: من لا يعرف خريطة البحر السياسي في الناظور، سيغرق في أول موجة. أما من اعتقد أن التموقع يُشترى بإشوماي والوعود الموسمية، فقد خانه التقدير، لأن السياسة ليست أكلاً سريعاً، بل بناء طويل النفس، يعرفه الصيادون جيداً.
قاعة الوحدة ستظل شاهدة على لحظة انفجار داخل بيت الاتحاد الاشتراكي، حيث خرج أزواغ منكسراً، وخرج لشكر مذهولاً، فيما خرج أبرشان بابتسامة البحّار الذي يعرف أن الشاطئ ما زال بعيداً، لكن بوصلته ما زالت سليمة.
في الناظور، لا مكان للسياسيين من ورق… وحده من تمرّس على هدير البحر يعرف كيف ينجو من الغرق. أما من ظنّ أن “العرس السياسي” يُقام بإشوماي، فقد نسي أن العرسان الحقيقيين لا يُشترون، ولا يُمنح لهم اسم مستعار… حتى ولو كان من فئة الدرهم!
التفاصيل بعد قليل
15/07/2025